سيمينار

الفنان / نور الشريف

" علاقة الممثل بالمونتاج "

د / منى الصبان :

سوف يحدثنا اليوم الفنان أ / نور الشريف عن علاقة التمثيل بالمونتاج ، وأهمية إلمام الممثل بفن المونتاج .

أ / نور الشريف :

لقد تحمست حماساً شديداً عندما طلب مني أ / عادل منير الحضور لهذا اللقاء ، لأني كنت أحلم بعقد مثل هذه اللقاءات بشكل دوري أثناء الفترة التي قضيتها كمعيد بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، ويرجع ذلك إلى ما قرأته في كتاب للممثل الأمريكي آل باتشينو ، حيث يحكي في هذا الكتاب أن معهد التمثيل الذي تلقى فيه دراسته الأكاديمية بعث إليه يطلب حضوره للقاء طلبة قسم التمثيل بهذا المعهد ، وبالفعل قام بتحديد موعداً للقاء طلبة القسم ، ويستمر آل باتشينو في الحديث عن هذه التجربة قائلاً أنه قد وجد الفارق بينه وبينهم كبيراً جداً ، وكان الأستاذ الذي دعاه قد قام بعرض كل أفلامه على الطلبة الذين قاموا باستذكارها جيداً ، وكان أن حدث اللقاء بين الخبرة العملية المتمثلة في آل باتشينو وبين الدراسة النظرية الأكاديمية المتمثلة في طلبة قسم التمثيل بهذا المعهد ، حيث فوجيء آل باتشينو بأحد طلبة المعهد يواجهه بأنه قد قام بأداء أحد مشاهد أفلامه بشكل لا يرقى للمستوى الجيد في الأداء ، وأنه كان لابد أن يقوم بأداءه بشكل آخر ، وقد فزع آل باتشينو من هذه المواجهة غير المتوقعة ، وطلب من هذا الطالب أن يقوم بعرض وجهة نظره بشكل عملي من خلال أداءه للمشهد أمامه ، واكتشف آل باتشينو أن الطالب كان محقاً في وجهة نظره ، وأنه قام بأداء المشهد بمنهج وأسلوب أفضل منه .

وقد أثار هذا الحديث في نفسي حماساً شديداً لإقامة هذه اللقاءات في معاهدنا الفنية الأكاديمية في مصر ، وتوضح لنا تجربة آل باتشينو أن الممثل المحترف حتى وإن لم يكن خريجاً لإحدى أكاديميات التمثيل فإنه لابد وأن يكون على اتصال دائم بالأجيال الجديدة التي تتميز بأنها أكثر ثقافة نظرية وأكثر متابعة لأحدث الكتب التي تصدر في مجال التمثيل ، وذلك لأن مناخ الاحتراف غالباً لا يسمح للممثل أن يكون متابعاً جيداً لهذه الإصدارات في مجال تخصصه سواء كان المسرح أو السينما أو التليفزيون .

وقد تمنيت كما سبق وأن أشرت في مستهل حديثي أن أقوم بدعوة كبار الفنانين المصريين أمثال الفنان أ / محمود المليجي للقاء طلبة قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، وذلك لكي يقوم بعرض خلاصة تجربته العملية لكي يقوم الشباب بالاستفادة منها ، وذلك لأنه وللأسف توجد لدينا آفة خطرة وهي أن الممثل الذي قضى فترة طويلة في العمل قام خلالها بتكوين خبرة عملية يعتبرها من أسرار المهنة التي لا يجب إفشاؤها ولا يقوم بنقلها للجيل الذي يليه ، وكانت نتيجة هذه الآفة أننا نقف في نفس المكان فلا يوجد تطوراً ملموساً ، بعكس لو قام كل جيل بنقل خبرته العملية التي اكتسبها ولنقل في خلال عشرون عاماً مثلاً للجيل الذي يليه ليكمل المسيرة ويقوم بدوره باكتساب المزيد من الخبرة العملية لعشرون عاماً أخرى ليقوم بعدها بنقل مجموع خبرات الأربعون عاماً للجيل الثالث ، فسوف نلحظ بكل تأكيد فرقاً في مستوى جودة الأداء التمثيلي .

والحقيقة أنه عندما طلب مني أ / عادل منير الحضور لهذا اللقاء ، قمت بالإعداد له من خلال قراءة عشرة من الكتب ، وللغرابة فلم أجد فصلاً واحداً في هذه الكتب يتحدث عن علاقة التمثيل بالمونتاج ، إلا أنني قمت لمدة ثلاثة أيام بمحاولة استكشاف واستنباط ما قد يفيدكم في موضوع اللقاء فيما يتعلق بعلاقة التمثيل بالمونتاج ، وقد قمت بتدوين عدد من النقاط الرئيسية لكي أبدا بها .

1 ) الصعوبات التي تواجه مونتاج المشاهد الصامتة :

لو افترضنا مشهداً يعتمد على رد الفعل أو على الرسائل المتبادلة بين الشخصيات من خلال الملامح وليس على الحوار ، وليكن هذا المشهد يتضمن هجوماً تشنه إحدى المجموعات التي يترأسها رئيس يساعده أحد المساعدين في توجيه الأتباع الذين سيقومون بتنفيذ هذا الهجوم على مجموعة أخرى معادية ، وحدث أن تدخل ظرف عرضي أفسد الخطة الموضوعة لهذا الهجوم أثناء وجود المجموعة وسط أفراد المجموعة المعادية ، فهذا المشهد لابد من التعبير عنه بملامح الوجوه ونظرات العيون ، هذا النوع من التعبير يفترض ضرورة إلمام الممثل إلماماً كافياً بفن المونتاج لكي يقوم بتوظيف تعبيرات وجهه ونظرات عينيه لخدمة أهداف المشهد الدرامية ويفترض هنا أن يكون الممثل متمكناً من أدواته ، ومحدد المنهج في الانتقال من إنفعال إلى إنفعال آخر .

والحقيقة أنه قد اختلفت الآراء حول ضرورة إلمام الممثل بفن المونتاج ، فهناك مدارس تنظر إلى الممثل نظرتها إلى أي قطعة أكسسوار ، وللأسف هذا رأي بعض المخرجين المصريين مثل أ /  يوسف شاهين وأحياناً أ / محمد خان ، وأنا لا أعترض على وجهة النظر هذه تحيزاً لأنني ممثل ، فالأفلام التي تعتمد على الأداء التمثيلي والتي تتطلب دقة في التعبير لا يمكن النظر إلى الممثل فيها على أنه إحدى قطع الأكسسوار .

والمثل الذي ذكرته في المشهد الصامت يعتمد على قدرة الممثل على التعبير عن الانفعال في زمن قصير نسبياً أو ما يمكن التعبير عنه باللحظة المتوترة ، وهناك ممثلين يفتقدون إلى الخبرة الكافية ويرغبون في التواجد على الشاشة أطول فترة ممكنة بغض النظر عن الأبعاد الدرامية للمشهد فيقومون بالتعبير عن الانفعال في زمن أطول من اللازم بالنسبة للغرض الدرامي المطلوب إحداثه في نفس المتلقي .

هذا النوع من الممثلين يتسببون في إحداث قدر كبير من الحيرة أمام المونتير ، لأنه يجد نفسه غير قادر على قطع التعبير في الوقت المناسب من حيث الطول لكي يتمكن من استكمال البناء الدرامي لبقية اللقطات بالإيقاع الذي يطلبه مخرج العمل ، ولا يستطيع أن يقوم بحذف جزء من التعبير لأنه مرتبط بما قبله وبما بعده من ناحية الراكور .

ولذلك يجب على الممثل الذي يعمل بالمجال السينمائي أن يتلقى تدريباً على أيدي أساتذة فن المونتاج في كيفية التعبير في هذه المشاهد الصامتة لكي لا يتسبب في إفساد الإيقاع العام لفيلم بأكمله .

وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض المشاهد الصامتة التي لا تعتمد على أحاسيس الممثل ، وأقصد بها مشاهد العنف والحركة والمطاردات تقع مسئوليتها في الأغلب على مخرج العمل ، لأن دور الممثل فيها يكاد يكون محدوداً للغاية .

2 ) الصعوبات التي تواجه مونتاج مشاهد الحوار :

تعتمد مشاهد التمثيل الحوارية في مصر على وجود مساعد مخرج ثان يقوم بتوجيه الممثل إلى راكورات الأداء في اللقطات المتتابعة لكي يكون تسلسل المونتاج طبيعي أثناء الحوار ، كالوضع الذي انتهى إليه الممثل وهو ممسك بسيجارة مع انتهاء اللقطة ، وأنا أرى أن هذه الأمور أقل أهمية من ناحية مراعاة الراكورات فيما يتعلق بالمونتاج ، في حين أن هناك بعض النقاط الأكثر أهمية التي لا ينتبه إليها الكثير من الممثلين ، والتي تعود للأسف إلى ظروفنا الانتاجية في مصر والتي تفرض على مخرجي الأعمال السينمائية عدم الإفراط في استهلاك الفيلم الخام ، وسوف أحدثكم عن تجربة فعلية حدثت لي أثناء عملي مع أ / كمال الشيخ ، وقد عملت معه مرتين ، المرة الأولى عندما كنت لا أزال مبتدئاً في فيلم ( بئر الحرمان ) ، ولم أكن قد استشعرت هذه النقطة بعد ، والمرة الثانية في فيلم ( الطاووس )

 والحقيقة أن التجربة في هذا الفيلم قد أفزعتني ، فقد وجدت أنني لا أتمكن من ممارسة ما يسمى في قواعد التمثيل بتنفس الحوار بمعنى أن يأخذ الانفعال مداه الطبيعي ، حيث وجدت أن أ / كمال الشيخ يقوم بتوجيه فريق العمل إلى إيقاف اللقطة بعد انتهاءها قبل أن أتمكن من استكمال الانفعال بشكله الطبيعي ، والحقيقة أنني تحملت هذا الوضع لمدة يومين على مضض تحرجاً من أ / كمال الشيخ ، إلى أن قمنا بتصوير مشهد انفعالي يستلزم استكماله في لقطة أخرى ، فلم أتمالك نفسي بعد أن سمعت كلمة ستوب من أ / كمال الشيخ ، وتوجهت إليه طالباً منه تأجيل إيقاف المشهد حتى أتمكن من استكمال الانفعال بالشكل الذي أراه مناسباً كممثل والذي قد لا يهمه كمخرج وخاصة أنني لا أقوم بإلقاء أي حوار بل أن الانفعال هو التعبيرالوحيد المرافق للمشهد والذي أقوم من خلاله بالتمهيد للقطة التي تليه .

والحقيقة أنني خضت تجربتين لم تعرض أي منهما للأسف الشديد ، وقد تعرض إحداهما وهي ( الظاهر بيبرس ) ، والتجربة الأخرى كانت بالاشتراك مع الإيطاليين في فيلم ( خيط أبيض .. خيط أسود ) الذي يتحدث عن القضية الفلسطينية والتي أثق تماماً أنه لن يعرض وذلك لأنه قد تمت سرقة نيجاتيف هذا العمل في روما .

وتجربتي في العمل خارج نظام الإنتاج المصري ، أوضحت لي أن المشهد بالكامل غالباً ما يتم تصويره بوحدتي تصوير ، بشكل أشبه ما يكون بنظام العمل بالتليفزيون ، من خلال زاويتي تصوير تم إعدادهما بالشكل المناسب الذي يخدم أهداف المشهد الدرامية وبما يحقق رؤية مخرج العمل وبالتالي لا يوجد مساعد المخرج الثاني الذي يقوم بتوجيه الممثل إلى الوضع الذي انتهى إليه مع انتهاء اللقطة ، ثم يقوم المخرج بالتقاط أمورس لكل من الشخصيتين أثناء إلقاء الحوار بالكامل ، وهنا لا يوجد داع للمحافظة على راكورات الأداء حيث تم التقاطها من زاويتين مختلفتين يمكن للمونتير أن يفاضل بينهما ويقوم باستخدام ما يراه مناسباً منهما لتحقيق رؤية مخرج العمل .

وفي نظام العمل الأمريكي وفي بعض دول أوروبا ، يزداد حجم الدور الذي يقوم به المونتير في حين يقل حجم الدور الذي يلعبه الممثل ، ولا تصبح هناك ضرورة ملحة في أن يكون الممثل ملماً بفن المونتاج ، وقد قرأت في بعض الكتب أن المخرج الذي يحب فن التمثيل يحرص على تصوير المشاهد التي تتضمن كم من التدفق الانفعالي بأكثر من وحدة تصوير ، وذلك لتباين أنواع الممثلين ، فنجد البعض الذي يمتلك الموهبة إلا أنه لا يملك الحرفية في الأداء وهؤلاء كثيرون على مستوى العالم وهذا النوع من الممثلين غالباً ما يكون من غير الأكاديميين الدارسين لقواعد وأسس فن التمثيل ، وهذا النوع من الممثلين لا يستطيع غالباً إدراك باقي عناصر الصورة وبالتالي لا يستطيع التعامل مع توجيهات المخرج أو مدير التصوير بالشكل الذي يحقق رؤية مخرج العمل ، وهذا النوع من الممثلين ينزعج جداً من طلب المخرج أو مدير التصوير الانتباه إلى الإضاءة مثلاً أو إلى موقعه بالنسبة لباقي العناصر الموجودة بالكادر .

وكما سبق وأن أشرت فإنه يصعب تحقيق هذا في ظل الظروف الانتاجية التي نعاني منها في مصر .

أ / عادل منير :

كيف يمكن للممثل أن يحقق المعادلة الصعبة بين التدفق الانفعالي الذي يتطلب استخدامه لأحاسيسه وبين المحافظة على راكورات المشهد التي تفرض عليه استخدام عقله بشكل يحتاج إلى شيء من التركيز ؟

أ / نور الشريف :

لا يستطيع الممثل تحقيق هذه المعادلة إلا من خلال استخدام أحد مناهج الأداء التمثيلي ، ويعتبر هذا أحد عناصر التدريب الأكاديمية التي نفتقدها في مصر ، ويطلق عليه بيزينيس الممثل ، وأرجو أن تلاحظوا أعمالنا الفنية فستجدون أن عدداً محدوداُ فقط من الممثلين الذين يستطيعون ممارسة بيزينيس الممثل أثناء المشهد ، كأن يقوم الممثل بإشعال سيجارة أو أن يرتشف فنجان قهوة  في منتصف جملة الحوار بدون أن يشعر المتلقي باختلال الإيقاع ، وهو من أصعب عناصر تدريب الممثل ، بمعنى أن يقوم الممثل بممارسة فعل يرافق إلقاءه جملة الحوار بدون أن يتسبب في إعاقة تدفق الحوار ، وهذا يستحيل تحقيقه بدون أن يكون لدى الممثل منهج محدد يرتكز عليه في الأداء التمثيلي ، ويستطيع المتلقي العادي ملاحظة ذلك على الشاشة ، والمونتير أكثر من يعاني من ذلك .

ولنفترض مشهداً يتضمن لقطة أمورس للممثل غير الدارس الذي لا يمتلك منهجاً محدداً في الأداء تظهر فيه يده ترتعش وهي تمسك بسيجارة ، ثم بعد مرور وقت من الزمان يقوم خلاله مدير التصوير بضبط إضاءة الزاوية العكسية ، نطلب من هذا الممثل أن يقوم بتنفيذ نفس الارتعاشة فلن يتمكن من ذلك ، أما الممثل الأكاديمي الذي يمتلك المنهج المحدد في الأداء فسوف يتمكن من ذلك بسهولة لأنه قصد في اللقطة الأولى أن يقوم بهذه الارتعاشة بيده أو أن يقوم بخفض ذراعه ببطء بشكل مقنن ومحسوب بدقة ، فلن يصعب عليه أن يقوم بإعادة نفس الحركة بنفس الشكل في اللقطة الثانية لأنه يعلم أن هذه الحركة تمهد للقطة التي تليها .

وتجرنا هذه النقطة إلى مسألة غاية في الأهمية ، وهي مسألة تفرق بين الممثل الأكاديمي والممثل غير الأكاديمي ، فالممثل غير الأكاديمي يدخل إلى موقع التصوير ، ولا يعنيه من الأمر إلا جملة الحوار التي سوف يقوم بإلقاءها بغض النظر عن ارتباطها بالمشهد ككل ناهيكم عن ارتباط هذا المشهد بالمشاهد التي تسبقه أو المشاهد التي تليه .

أما الممثل السينمائي الأكاديمي الدارس ، فيذهب إلى موقع التصوير بعد أن يكون قد استذكر مشاهده التي سوف يقوم بتصويرها جيداً ، ويبدأ يومه بالجلوس إلى مساعد المخرج لكي يتدارس معه ديكوباج تقطيع المخرج للمشاهد ، ويقوم بحفظه عن ظهر قلب ، ويساعد امتلاك الممثل لمنهج محدد في الأداء في إحداث التناغم بين أداء الممثل والديكوباج الذي أعده المخرج ، فلو افترضنا أن الممثل آثر أن يصدر عنه شهقة قبل أن يقوم بإلقاء جملة حوار معينة لأنها تمثل أهمية خاصة في تصوره كممثل للدور ، فلو لم يقرأ الممثل ديكوباج المشاهد ، فقد يقوم بتنفيذ هذه الشهقة ، لكن سوف يغفل عن أداءه لمشاهد أخرى تلي المشهد الذي يقوم فيه بالشهقة دون أن يبدو عليه فيها أثر هذه الشهقة من احمرار العينين وتجد أن المشاهد في تسلسلها الطبيعي تبدأ بالمشهد الذي يقوم فيه بالشهقة ويبدو فيه وجهه محتقناً ثم يأتي المشهد الذي يليه لنفاجأ بأن وجهه يبدو مرتاحاً تماماً ، وهذه التفصيلات في أداء الممثل يصعب على مساعد المخرج متابعتها .

أحد طلبة القسم :

ولكن ، أليس هذا دوره ؟

أ / نور الشريف :

الحقيقة أن أسلوب العمل الأمثل يفرض أن نقوم بتحديد توصيف لدور كل فرد من أفراد فريق العمل بالفيلم ، وأتمنى أن أتمكن من تحقيق هذا في إنتاجي القادم ، وللأسف فأسلوب الإنتاج في مصر يتغافل عن الدور الذي يلعبه العديد من العناصر التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحقيق مستوى جودة أعلى للفيلم بحجة أن هذه العناصر تشكل عبء إقتصادي تتحمله ميزانية الفيلم ، ومن هذه العناصر الماكيير والكوافير وعامل أو عاملة الملابس ، والواقع أن تجربتي في العمل مع السينمائيين الإيطاليين والسينمائيين الروس كشفت لي عن وجود سيناريو خاص بالتصوير لا يحتوي على مشاهد بل عبارة عن تسلسل لقطات الفيلم وليكن مثلاً من لقطة رقم 1 وحتى لقطة رقم 1200 ، عكس الشكل المتعارف عليه للسيناريو في مصر والذي يتضمن المشاهد بالتوصيف التقليدي للمشاهد الذي يحتوي على مكان وزمان كل مشهد ووصف الحركة إلى اليمين والحوار مدوناً إلى اليسار ، ولأذكر لكم مثالاً على كيفية توصيف اللقطات كالتالي ..

لقطة 1

الخانة الأولى .. لقطة عامة ويتم ذكر وصف عام للقطة ، يبدو فيها كذا وكذا .

الخانة الثانية .. يتم ذكر بعض تفاصيل اللقطة ، بطل الفيلم مجروح .

الخانة الثالثة .. يتم ذكر عدد ونوعية المجاميع المستخدمة في اللقطة ، مثلاً 200 كومبارس يرتدون كذا وكذا .

الخانة إلى اليسار .. يتم ذكر نوعية وكمية الإضاءة التي يحددها مدير التصوير سلفاً .

ويقوم البعض بعمل رسم توضيحي لتكوين الكادر بما يحتويه من عناصر ، وفي حالة ما إذا كانت اللقطة تتضمن حركة متتالية يقوم برسم نفس اللقطة في أكثر من وضع متضمنة المراحل الهامة لحركة الكاميرا سواء كانت بان يمين أو بان يسار أو تيلت أب أو تيلت داون أو زووم إن أو زووم أوت .. إلخ .

وقد تبين لي أن كل فرد من أفراد فريق العمل في الفيلم يحتفظ بنسخة من هذا السيناريو فالماكيير مثلاً يعلم من أمر الشغل أنه سوف يتم تصوير اللقطات أرقام ( 1 ، 250 ، 340 ) ، فبمجرد مراجعة اللقطات من السيناريو يكتشف وجود جرح في الوجنة اليسرى لبطل الفيلم فيقوم بتنفيذ الملاحظات المذكورة بهذه اللقطات بكل دقة ، وبالنسبة للممثل فعليه أن يهييء نفسه لتمثيل هذه اللقطات مراعياً ارتباطها باللقطات التي تسبقها واللقطات التي تليها .

أما بالنسبة لمساعد المخرج ، فأذكر أنه في بداية عملي بالسينما عام 1967 ، كان يوجد في مصر عدد من مساعدي المخرج يعملون جنباً إلى جنب ، وللأسف فقد تقلص عدد هؤلاء المساعدين بشكل كبير وذلك للظروف الإنتاجية المتدهورة التي تمر بها صناعة السينما وأيضاً بسبب تخلي الدولة عن دورها في الإنتاج السينمائي ، من هؤلاء المساعدين مساعد الحوار ، وينحصر دوره في تلقين الممثل جمل الحوار ومساعدته من خلال تذكيره بمدى تدفق إلقاءه لجملة الحوار ، وكذلك تذكيره بطبقة الصوت التي استخدمها أثناء إلقاءه لجملة الحوار هذه أو تلك ، كما يوجد فتاة السيناريو التي تنحصر مهمتها في متابعة راكورات الحركة المباشرة ، وأعود لأؤكد أن هذه الأمور أقل أهمية برغم أنها يمكن أن تكون من الأمور المزعجة للمونتير إن لم تجد من يهتم بمتابعتها أثناء التصوير ، وأرى أنه من أول الأمور التي يصعب متابعتها هي تدفق الأداء عند الممثل في المشاهد الحوارية ، ولكي يقوم الممثل بأداء هذه المشاهد يجب عليه أن يبدأ في تهيئة نفسه لها قبل موعد التصوير بأربع وعشرين ساعة على الأقل ، ويقوم بتركيز عملية التهيئة هذه في صباح اليوم الذي سوف يتم فيه تصويرها ، ليس فقط لكي لا يزعج المونتير عند مونتاج هذه المشاهد بل في الأساس لصالح الممثل ذاته لكي يبدو أداءه متدفقاً بشكل طبيعي .

وأود أن أذكر أن أغلب زملائي من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية كانوا ينزعجون من تصريحاتي المستمرة والتي كنت أذكر فيها أن التمثيل السينمائي من أصعب أشكال فن التمثيل ، وقد يبدو للبعض نتيجة تحيزه الطبيعي لشكل فن التمثيل الذي يمارسه وليكن التمثيل المسرحي أنه أصعب أشكال فن التمثيل ، وذلك لما يتضمنه من المواجهة المباشرة مع الجمهور ، ولو أنني أعتبر أن الممثل الذي لا يجد في نفسه القدرة على مواجهة الجمهور لا يصلح أن يمتهن هذه المهنة أساساً ، فممثل المسرح لديه فرصة أكبر لإتقان أداءه للدور أثناء فترة البروفات ، مهما كان مستوى ذكاءه ، ويحضرني هنا أن واحداً من أعظم رواد فن المسرح في العالم وهو جان لوي بارو الممثل والمخرج المسرحي الفرنسي كان يصف نفسه بالغباء فيما يتعلق بحفظ الحوار كما أنه بطيء فيما يتعلق بتركيب الدور ، وهو رائد هذا المنهج الذي تتبعه المدرسة الإنجليزية في فن الإخراج المسرحي ، عكس ماهو متبع في مصر ، فعلى أحسن الفروض وتحت قيادة المخرج المسرحي الدارس الواعي المدرك المتفتح مثل أ / نبيل الألفي أو أ / سعد أردش أو أ / كرم مطاوع ، يقوم المخرج في ثلاث جلسات بتهيئة أفراد فريق العمل لما هم مقدمون عليه من خلال مناقشة مضمون النص ووجهة النظر التي يطرحها المؤلف ، وتصوره كمخرج للعمل ، ويقوم كل فرد من أفراد فريق العمل بطرح تساؤلاته ووجهة نظره حول النص ، ثم يقوم في بروفة الترابيزة بتوجيه الممثلين إلى المناطق التي يريد فيها سرعة في الإيقاع والمناطق التي يريد فيها للإيقاع أن يهدأ ، ويقوم بشرح ميزنسين مبدئي للعمل ، ولا يتبقى إلا أن يقوم الممثلون بحفظ أدوارهم استعداداً لليلة الافتتاح ، أما المنهج الذي ابتدعه جان لوي بارو ، فلم يكن يطالب الممثل بحفظ دوره على الإطلاق ، حيث يعتلي خشبة المسرح ممسكاً النص بيده ، ويقوم بارتجال الحركة وفقاً للأداء بشكل لحظي ، وذلك لأن الكاتب المسرحي أحياناً ما يسهب في كتابة الحوار ، وذلك لشاعريته في الكتابة إلى الدرجة التي ينسى فيها أن في وسط الباراجراف يوجد رد فعل على قدر من الأهمية يجب أن يصدر عن الشخصية التي تقابل الشخصية التي تقوم بإلقاء هذا الباراجراف ، الذي يجب أن يتم مقاطعته في هذه اللحظة برد الفعل الذي أشرت إليه ، إلا أن الكاتب المسرحي خاصة إذا كان يتميز بشاعرية الحوار يصعب عليه أن يقوم بمقاطعة هذا التدفق الشعري ، وهنا يقوم المخرج الواعي مثل جان لوي بارو بمقاطعة النص الذي كتبه المؤلف من خلال توجيه الشخصية الأخرى بمقاطعته بجملة قد تكتب خصيصاً لذلك ، إيماناً منه بأهمية رد الفعل الذي يجب أن يصدر عن هذه الشخصية الأخرى ، والذي يخلق الجو الطبيعي للموقف الدرامي ولا يتحول الممثلون إلى مجرد أصنام يقومون بإلقاء نصاً نثرياً فقط ، ولتغفروا لي إسهابي في هذه النقطة إلا أنني لا أزال أؤكد على أن التمثيل المسرحي هو أيسر أشكال فن التمثيل ، وذلك لما ذكرت من تمتع الممثل بفترة لا تقل عن شهرين للتدريبات على الدور ، تتيح للممثل أن يعايش الشخصية بشكل كبير ، كما أن الممثل يتمتع أيضاً بمعايشة الشخصية بشكل تدريجي من ناحية البناء الدرامي ، وهذا لا يمنع وجود تجارب مسرحية قليلة نسبياً لا تعتمد على البناء الدرامي التقليدي مثل تلك التجارب المسرحية التي تعتمد على أسلوب الفلاش باك ، ولكن لا تزال الحقيقة أن ما يزيد عن الخمسة وتسعون بالمائة من المسرحيات التي يتم كتابتها على مستوى العالم تعتمد على البناء الدرامي التقليدي المتصاعد ، وعلى ذلك يكتسب الممثل انفعالاته بشكل طبيعي ناتج عن معايشته للشخصية بشكل تدريجي ومتسلسل ، كما أن ممثل المسرح لديه ميزة أخرى وهي أن تمثيله على الهواء فإذا قام بالأداء في إحدى الليالي بشكل دون المستوى فسوف يتبخر هذا الأداء مع أنفاس المتفرجين أثناء خروجهم من المسرح بعد العرض ، كما أن عدد هؤلاء المتفرجين لن يتعدى بضع مئات ، وغالباً ما لا يتم تسجيل أداء الممثل وبالتالي فالفرصة متاحة أمامه لتحسين أداءه في الليالي التالية كما أنه لديه الفرصة لتنمية الدور على مدى العرض من خلال معايشة الحوار بشكل يومي بحيث يصبح الحوار متغلغلاً في اللاشعور مع وجود ممثل قدير يمثل أمامه يفتح له سبل ردود أفعال جديدة وعليه فممثل المسرح محظوظ جداً .

أما التمثيل التليفزيوني فأقرب ما يكون للتمثيل المسرحي ، إلا أنني لا أميل إليه كثيراً فبالرغم من أنه يجمع بين السينما والمسرح إلا أنه في ظل الظروف الإنتاجية في عالمنا العربي أعتبره لا إنساني ، وقد كانت نظرتي إلى العمل بالتليفزيون مختلفة أيام الإنتاج الحقيقي وقبل دخول القطاع الخاص هذا المجال الذي يقوم بتحديد عدد دقائق يستهدف تحقيقها كل يوم ، مما يؤدي إلى أن نرى الممثل وقد تحول إلى أداة لحفظ الدور ثم ترديد ما قام بحفظه بعيداً عن جودة الأداء أو تناغم الإيقاع ، وأرجو أن تلاحظوا أن ممثلي التليفزيون لا يقدمون على أداء فترات الصمت عن وعي بذلك بل أن هذه الفترات تحولت إلى فرصة لالتقاط الأنفاس واسترجاع ما قد نسوه من جمل الحوار .

أما التمثيل السينمائي فيحتاج إلى عقلية هندسية ، تمكن صاحبها من إقامة بناء للشخصية بمعني أن يتدارس بناء الشخصية من أول مشهد إلى آخر مشهد ، وذلك لأن ظروف الإنتاج تجعل تصوير المشاهد لا يتم بالتسلسل الطبيعي للأحداث ، ولذلك يستطيع الممثل عندما يبدأ المخرج في تصوير مشهد في وسط الرواية أو نهايتها أن يسترجع كم ونوعية الأداء الذي قام بتحديده سلفاً ، وهذا ما يمكنكم أن تلاحظوه عند تركيب اللقطات والمشاهد على المفيولا من أن الشخصية قد تحولت إلى إنسان من لحم ودم ولا يعيبها وجود قفزات في الأداء ومن أفضل الأدوار التي أعتز بها في حياتي فيلم ( مع سبق الإصرار )

والذي تعرضت فيه لظروف إنتاجية صعبة حيث بدأ المخرج أ / أشرف فهمي بالمشهد قبل الأخير الذي أقوم فيه بالاعتداء على الشخصية التي قامت بأداءها الفنانة أ / ميرفت أمين أثناء هجوم أفراد الشرطة على المنزل في أول يوم تصوير ، فإن لم أقم كممثل بتحضير دراسة محسوبة بشكل هندسي تحدد أنه عند المشهد الفلاني سوف أصاب بحالة من الهياج العصبي أو أن صوتي سوف تصيبه بحة .... إلخ ، كل ذلك لابد أن يكون مدوناً أمامي وذلك لأن مساعد المخرج في مصر ليس لديه الوقت لكي يقوم بتوجيه الممثلين ، بالإضافة إلى نقطة أخرى أرجو ألا ينزعج منها المخرجون وهي أن الكثير من المخرجين غير ملمين بفن التمثيل ، ومصيبة أخرى وهي أن الكثير من المخرجين يهاب النجوم ، بمعنى أن البعض يخجل أن يقوم بتوجيه الممثل عندما يخطيء في الأداء وهذا خطأ رهيب .

وأنا لي تجربة في فيلم ( الأخوة الأعداء )

 وأرجو أن تتاح لكم الفرصة لكي تشاهدوه قريباً فسوف تكتشفون وجود خمس مدارس تحمل خمس مناهج مختلفة للأداء ، فكل ممثل يمثل بالطريقة التي تروقه في الأداء فلا يوجد تناغم في الأداء ولم يسهم في نجاح الفيلم واكتسابه لإعجاب الجمهور سوى اعتماده على سيناريو قوي مبني على مواقف انفعالية شديدة ، لكن لو شاهدتم الفيلم بعين المتخصص فسوف تكتشفون نشازاً مخيفاً في الأداء .

وبالنسبة لعلاقة الممثل بالمونتاج ، وبعد قراءتي للكتب التي تتحدث عن هذا الموضوع والموضوعات المتعلقة به اكتشفت أن الممثل لابد وأن يكون لديه إلماماً كافياً بالإخراج لكي ينمي لديه ذلك الحس بالمونتاج ، هذا الإلمام أحياناً يفيد وأحياناً أخرى يضر بالفيلم وقد يدمره تماماً وخاصة عندما يتوفر هذا الإلمام بالإخراج لدى نجم كبير أو نجمة مشهورة وذلك من جراء تدخله أو تدخلها المستمر في كل كبيرة وصغيرة في عمل المخرج الذي لا يسعه إلا أن يستجيب لهذه التدخلات تحت ضغط النسق الإنتاجي ونظام النجوم السائد في مصر وفي أغلب الدول الرأسمالية وتكون النتيجة مؤسفة .

لكن الممثل المحترف لابد وأن يكون على دراية بالإخراج والممثل المحترف من وجهة نظري والاحتراف له معنى إيجابي وآخر سلبي ، فأما المعنى السلبي فيتلخص في أن الممثل يصبح متمكناً للدرجة التي يمارس فيها التمثيل بلا روح تماماً مثل المفاتيح للآلة ، وأما المعنى الإيجابي فيتلخص في أن يكون الممثل متمكناً من أدواته ولكن يحافظ على طاعته للمخرج وهذا في السينما بالذات لأن السينما فن تخيلي أو فن تركيبي ، أما الوضع في المسرح فيختلف لأن الممثل يظل على طاعته للمخرج أثناء فترة البروفات أما على خشبة المسرح ولطول فترات العروض المسرحية تصبح الفرصة أكبر لديه لممارسة قدر أكبر من الحرية في الأداء وفي التليفزيون يغدو الأمر أيسر بالنسبة للمخرج لأنه يرى نتيجة العمل بالمونتاج في نفس اللحظة تقريباً ويسهل عليه إعادة ما قد يراه مفتقداً للتناغم مع الإيقاع العام للعمل .

لكن بالنسبة للسينما فالفيلم السينمائي هو تصور مبني في ذهن المخرج فقط ، والممثل مهما كانت درجة ثقافته ودرجة خبرته فلن يتمكن من اكتشاف رؤية المخرج ومعرفة ما يدور في ذهنه أو كيف سوف يقوم بتركيب هذه اللقطة أو تلك أما الممثل المحترف المتمكن فيكتفي بأن يقوم بعرض وجهة نظره في اللقطة التي يراها غير طبيعية في الحركة أو في الأداء لكنه يلتزم في النهاية برؤية المخرج وهذا هو الأسلوب الذي أتبعه في عملي حيث أحاول أن أقدم للمخرج ما يريد بشكل يبدو طبيعياً على قدر الإمكان برغم عدم اقتناعي الكامل في بعض الأحيان من واقع خبرتي الأكاديمية وذلك لأن المخرج في نهاية الأمر هو صاحب التصور الذي لا أعلمه كما سبق وأن أشرت .

د / منى الصبان :

حتى في حالة اعتقادك أن المخرج ضعيف ، لابد وأن تطيعه .

أ / نور الشريف :

تماماً ، لإيماني بأن ذلك يؤدي إلى إفساد العمل ، فأنا ضد أن يتدخل الممثل في الإخراج تماماً .

د / منى الصبان :

وهذا لا يتعارض في أن يكون لدى الممثل دراية بالإخراج .

أ / نور الشريف :

من حق الممثل أن يتناقش مع المخرج ويبدي له المواضع التي لا يستريح إليها في الحركة أو الأداء ، وعلى سبيل المثال وهذا خطأ شائع في الكثير من أفلامنا وللأسف يقع فيه مخرجين كبار من خريجي المعهد العالي للسينما ، في مشهد يجلس فيه البطل مع خطيبته في أحد الكازينوهات وبسبب ان كاتب السيناريو كتب المشهد طويل نسبياً في أربعة صفحات مثلاً ، وبسبب إشفاق المخرج أن نظل نلقي جمل الحوار الطويل ونحن جالسان ولتخليق ميزانسين معين يقف البطل ويبتعد قليلاً ليلقي باقي جمل الحوار في وضع غير منطقي وغير طبيعي وهذه من الأشياء التي تزعجني جداً كممثل .

ومن الأشياء الصعبة التي تواجه الممثل إلى جانب مسألة الراكورات الخروج من الكادر ثم الدخول إلى الكادر أثناء إلقاء الحوار ولتوضيح تلك النقطة لنفترض أن المخرج طلب من البطل أن يسير في بان جانبي متفق في الانفعال أثناء إلقاءه جملة حوار وعند نقطة معينة تثبت فيها الكاميرا ويخرج البطل من الكادر واللقطة التالية يبدأ الكادر خالياً ثم يدخل البطل ليكمل جملة الحوار ، ففي اللقطات الصامتة لا يشكل ذلك أي مشكلة سوى الانفعال على الوجه ومدى توتر الجسم لكن خروج الممثل من الكادر ثم دخوله إلى كادر آخر أثناء إلقاءه جملة الحوار يحتاج إلى دراية كاملة بالمونتاج .

وهذه المسألة مهمة جداً وفي يد الممثل والمصور الذي لابد وأن يكون واعياً فلا يقتصر دوره على مجرد خلق تكوين سليم بل لابد وأن يكون متابعاً لما يدور أمام الكاميرا ، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال قراءته للديكوباج ومعايشته للسيناريو معايشة كاملة .

فأحيانا يتصاعد انفعال الممثل أثناء التصوير أثناء إلقاءه لجملة الحوار الطويلة ليزيد عما تم في البروفة وتكون النتيجة أن ينتهي من حواره مبكراً عما تم في البروفة وقبل المكان المحدد سلفاً لخروجه من الكادر تبعاً لمتطلبات الإضاءة والصوت بمتر واحد مثلاً ثم لا يبدأ الممثل حواره في اللقطة التالية مباشرة بل يتأخر قليلاً ، فيجد المونتير نفسه أمام لقطتين متتاليتين بدون فواصل وتحتوي كل منهما على فجوة رهيبة في الأداء بعد أن كان متصاعداً وذلك نتيجة عدم دراية الممثل بالمونتاج ، والنتيجة تكون بشعة وأول ضحاياها هو الممثل نفسه لأن المتلقي سوف يشعر بهذه الفجوة في الأداء التي تحدثنا عنها وسوف يشعر أن الأداء مصطنع وغير طبيعي .

أما الممثل الواعي لمتطلبات المونتاج فيقوم بقياس إلقاءه لآخر حرف من الجزء الأول من جملة الحوار ليأتي متزامناً مع لحظة خروجه من الكادر لكي يتمكن من أخذ فترة الصمت القصيرة التي يحتاجها عند دخول الكادر التالي .

ونقطة أخرى هامة وهي دور المونتير بالنسبة لفن التمثيل وهذا في الظروف الإنتاجية المثلى ، ولنفرض أن الممثل قام بأداء مشهد بإجادة وحرفية عالية وبالصدفة حدثت خبطة في الديكور بشكل يتزامن مع كلمة هامة لها مدلولها الدرامي في أحداث الفيلم ككل أو ممثل نتيجة لانفعاله الشديد وهذه تحدث لبعض الممثلين كالممثل أ / فؤاد أحمد الذي يندمج أكثر من اللازم مما يؤدي إلى تنميل الشفاه فيفقد الممثل كامل سيطرته على مخارج الحروف لبعض الكلمات التي لها تأثيرها الدرامي على مجريات الأحداث ، ونظراً للظروف الإنتاجية المتواضعة يتطوع مهندس الصوت لعرض إمكانية معالجة هذه العيوب عند الميكساج ، وأنا أرى أن هذه مسئولية المونتير أنه بالأمر لابد وأن يطلب إعادة المشهد دوبلاج .

وقد مررت بهذه الواقعة في أول إنتاج لي في فيلم ( دائرة الانتقام )

 وأثناء تصوير المشاهد داخل أحد البلاتوهات في ستوديو الأهرام وبسبب أن أرض البلاتوه التي كانت مُجهزة بأرضية خشبية قديمة ، فكان الشاريو يصدر عن صوته صرير ناتج عن تحرك الألواح الخشبية التي تتكون منها أرضية البلاتوه ، بالإضافة إلى أن الماشينيست كان يرتدي حذاء بكعب عال يصدر عن وقع قدميه صدى صوت صرير وهذه عيوب لم يكن العاملين قديماً يغفلون عنها فلابد وأن يرتدي العاملون بالبلاتوهات أحذية مصنوعة من الكاوتش لكي لا يصدر عنها صوت يفسد تسجيل الصوت والحقيقة أن أ / سعيد الشيخ أصر على إعادة ثلاثة أسابيع من التصوير دوبلاج وفي هذا الوقت كمنتج كنت متضايقاً من التكلفة الزائدة لكن تحققت سعادتي برؤيتي للنتيجة النهائية للعمل وهذا دور المونتير في أن يضيف الكثير للممثل وللعمل ككل .

أ / عادل منير حضر آخر تجربة إنتاجية لي في فيلم ( زمن حاتم زهران ) حيث كانت الزميلة وفاء الحكيم خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية وهي ممثلة جيدة جداً لكن التجربة السينمائية الأولى سببت لها قدر من التوتر ظهر على صوتها الذي بدا حاداً جداً وليس بقوة شخصية فاطمة طيبة المطلوبة ولا بدفئه حيث أنها تمثل الزوجة والحبيبة والأم بل وتمثل مصر كلها وبعد التصوير كان رأي أ / عادل منير الذي كان متطابقاً مع رايي أن الصوت غير متطابق مع الشخصية بما يضر الفيلم ككل ، وقد قمنا بإعادة الدوبلاج لكل مشاهد وفاء الحكيم وهكذا ترون ان المونتير يمكن أن يفيد الممثل بمجرد أن يطلب منه إعادة الدوبلاج بالصوت المطلوب .

على ذكر الدوبلاج أريد أن ألفت نظركم إلى ملحوظة هامشية ، معظمكم سوف يبدأ عمله كمساعد مونتير ، ومن أصعب المشاكل التي تقابل الممثل في الدوبلاج أن يطول لووب الحوار أكثر من اللازم خاصة وأن كثير من الممثلين المتميزين يعانون من ضعف في الذاكرة ، ولذلك لا يتمكن معظم هؤلاء من عمل الدوبلاج ، وهنا تظهر أهمية أن يلعب مساعد المونتير دوره من خلال إدراك القدرة العقلية للممثل من أول يوم في الدوبلاج ، وأذكر على سبيل المثال الفنان أ / عادل أدهم ، والذي يعاني من ضعف في الذاكرة ويكره الدوبلاج جداً ، هذا الفنان يجب على مساعد المونتير أن يقوم بتدليله ، لأنه عندما أقوم بتركيب لوب طويل أساهم في إحباطه ، فيقول جملتين صحيحتين ، ليقف بعدها عاجزاً عن تذكر باقي جمل الحوار ، وهذا الجزء مطلوب توافره في شخصية المونتير كيف يفهم نفسية الممثل ، وكيف يراعي القدرة العقلية لكل ممثل وكيف يتعامل معه أثناء الدوبلاج لكي يأخذ منه أفضل نتيجة ، وفي رأيي أنا ضد أن نقوم بتنفيذ الدوبلاج لقطة لقطة ، بمعنى أنني أميل إلى تنفيذ مونتاج أولي للمشهد ، ويتم تقسيمه بعد ذلك إلى الأطوال التى تناسب قدرة الممثلين ، ولكن ليس لقطة لقطة لكي نتمكن من المحافظة على نوع من التناغم في الدوبلاج ، وذلك لأن الكثير من الممثلين لا يتمتعون بالمقدرة الحرفية لكي ينتهي من اللقطة ليبدأ اللقطة التى تليها من نفس طبقة الصوت بنفس التدفق أو بنفس النعومة ، فلو لو لم يهيئ المونتير هذه الظروف للممثل يتحول إلى متآمر عليه ، وذلك لأنه سوف يبدو مفتقداً للتناغم المطلوب في الأداء .

هذه علاقة رئيسية بين المونتير والممثل السينمائي في أن يهيء له الظروف التي تتيح له أن يبدو في أفضل صورة ، وعلى ذكر الدوبلاج من أبشع الأساليب التي يتبعها بعض المخرجين في الدوبلاج عندما يطلب من الممثل القيام ببعض الألاعيب ، بملأ الفترات الزمنية بأي شيء ، ففجاة تجد نحنحات وتأوهات لا طعم لها ولا لون تفقد الأداء والمشهد صدقه .

هناك نموذج آخر للتعاون بين المونتير والممثل ، بالاتفاق مع المخرج ولابد دائماً من الاتفاق مع المخرج لأنه صاحب وجهة النظر النهائية في الفيلم ، من خلال إضافة أنواع من المؤثرات في باند المؤثرات الصوتية تضفي الكثير على الانفعال المحايد ، لأن الممثل في بعض الأحيان لا يستطيع تحديد الانفعال المناسب للقطة أو للمشهد ، ولا يستطيع المونتير أن يقوم بحذف هذا المشهد أو هذه اللقطة تنفيذاً لتوجيهات المخرج .

وعلى سبيل المثال ، في فيلم ( الحياة والحب والموت ) للمخرج كلود ليلوش والذي قام ببطولته أميدو ، والذي يدور حول شخص محكوم عليه بالإعدام ، لكن قبيل تنفيذ الحكم عليه ، نجده يعيش وحيداً في مجمع سكني فقير جداً وحقير جداً وقذر جداً ، وقد رأيناه وهو ينزل من سكنه في لقطة توتالة عرفتنا على المكان الذي يعيش فيه ، وكل المشاهد داخل غرفته التي كان يلفها الصمت ، قام المخرج بإضافة بعض المؤثرات الصوتية التي تعبرعن جو الحياة من حوله ، إنسان مقبل على الموت وإلى جواره  شخص يضرب ابنه ، وسيدة تتشاجر مع زوجها ، وصوت مواء قطة ، وكل ذلك تمت إضافته بشيء من الصفاء والرقة والأناقة ، لا كونها مجرد ضوضاء  ، أضفت على أداء أميدو في تلك اللقطات الصامتة سحراً لا يوصف هو لم يقصده كممثل ، حولته بالرغم من بساطته إلى أداءاً عبقرياً ، وهذه إحدى الإضافات الهامة التي يمكن للمونتير أن يضيف الكثير من خلالها للممثل ، وذلك تبعاً لسلاسة القطع من لقطة للقطة ، ومن الممكن استخدام باند الصوت الخاص بالمؤثرات الصوتية بعد اختيار الصوت المناسب بشكل يضفي الكثير على اللقطة أو المشهد ، فمثلا يمكن إضافة صوت حفار يدق في الأرض خارج الكادر تماماً وبدون الحاجة لأن أراه على الشاشة ، عندما تتم إضافته كمؤثر صوتي إلى لقطة طويلة صامتة ، يعطي دلالة وتعبير على وجه الممثل ليس موجوداً على وجهه فعلاً ، وهذا ما يناسب النظرية الكلاسيكية في المونتاج ، والمثال المعروف للقطة مقربة لممثل يبدو على وجهه تعبيراً معيناً ، حيث قاموا بوضع طبق حساء أمامه مرة ، ثم طفلة تلعب في مرة ثانية ، ثم جثة ميت في مرة أخرى ، وقد أعطت كل من هذه اللقطات إيحاءاً مختلفاً للمتفرجين برغم أن إنفعال الممثل كان واحداً في المرات الثلاث .

وهناك مشكلة تعرضت لها عدة مرات تتمثل في خوف المونتير من الصمت ، هذا الخوف أصبح مؤرقاً بالنسبة إلي جداً ، وهذا الخوف يبدو أنه ميراث في السينما المصرية والأمريكية القديمة ، ورجاء أن تنتبهوا للأفلام القديمة التى تذاع في التليفزيون ، حيث نجد أن الممثلين يتكلمون بسرعة كبيرة جداً ، ومن أشهر الأمثلة على ذلك الفنانة زينات صدقي ووداد حمدي ، ويبدو أنه استقر في وجدان صانعي الأفلام في مصر أن فترة الصمت تمثل خطورة أو برودة في المشهد ، وكمثال على ذلك لقطة من فيلم ( السكرية )

 أعتبرها من أجمل ما قمت به من أداء تمثيلي في حياتي ، والحقيقة أن هذه اللقطة لم تكن من إبداعي الخاص بل استوحيتها من لقطة للممثل العالمي بيتر أوتول في فيلم ( وداعاً مستر تشيبس ) حيث وجدت اللحظة المناسبة التى أتاحت لي أداءها ، واللقطة عندما يموت والدي ، وأنا أجلس وقام أ / حسن الإمام بتصويرها باستخدام الكرين ، ليقترب مني في نهاية اللقطة ، وأنا أقوم بإنزال رأسي بشكل متقطع ، مع وقفة في الحركة تثبت بعدها رأسي لبرهة وجيزة ، هذه الوقفة تم حذفها في المونتاج ، وكدت أموت حسرة ، وقد أكون مخطئاً لكني أحسست أن الدُم التى لعبتها برأسي أنسب للقطع تماماً كالقطع عند صوت باب يقفل ، لكي يتم القطع بسلاسة ، هذه الدُم التي تم حذفها بعد أن بذلت مجهوداً كبيراً في أداءها لكي تبدو طبيعية ، لكي تعبر عن لحظة انهيار حقيقية بموت الأب ، وهنا أرجو منكم أن تستمعوا إلى الموسيقى الكلاسيكية بشكل مكثف حتى وإن لم تفهمونها لأنها تتضمن الإيقاع الحقيقي للمونتاج ، وتشعركم بأهمية فترات الصمت وكيف تصبح مريحة ومتى أعطي اللقطة طولها المناسب ، فالتعود على الاستماع إلى الموسيقى الغربية الكلاسيكية على وجه الخصوص يمنح المونتير القدرة على إبداع أجمل الإيقاعات ، وهذا الإيقاع ليس مطلوباً لفن المونتاج وحسب بل مطلوباً لفن التمثيل وفن التصوير وكل أشكال الفنون .

هناك تجربتين في حياتي أود أن أذكرهما كأكثر التجارب الفنية متعة في حياتي وفي نفس الوقت أكثرها إجهاداً ، الأولى مع المخرج أ / سعيد مرزوق في فيلم ( زوجتي والكلب )

وكانت الموجة الجديدة منتشرة وقتها في العالم وكان هو متأثراً بها جداً ، والتجربة الثانية مع أ / محمد راضي ، والتجربتين تم تصويرهما داخل البلاتوه باستخدام كاميرا صغيرة بدون صوت ، وتجربة أ / سعيد مرزوق كانت أصعب من تجربة أ / محمد راضي ، لأن تجربة أ / محمد راضي أجهدت المونتير ومساعدي المخرج ، أما تجربة أ / سعيد مرزوق فكانت مجهدة للممثلين لأنه أراد أن يخوض تجربة إرتجال الممثلين للحوار ، في محاولة لخلق حوار غير منمق في إيقاع غير تقليدي ، وقد تم تطبيق هذه التجربة في حوالي عشرة مشاهد بيني وبين أ / محمود مرسي ، وعلى سبيل المثال في المشهد الذى أبحث فيه على صورة سعاد حسني وهو ينادي علي ويقول ( يا نور .. يا نور ) فأشعر بالفزع وأخبيء الصورة وأجري ناحية نتيجة الحائط ، فيقول لي ( انت هنا وأنا بأدور عليك ) في حوار غير معد مسبقاً كل الأمر أن المخرج قام بشرح مضمون المشهد لنا ، فأرد عليه قائلاً ( عايز أعرف النهارده كام في الشهر ) فيرد علي قائلاً ( هانت يا أخي الأجازة قربت ) ويذهب ناحية الكلوب فأبادره بقولي ( أه .. بس الوقت اللي فاضل ) وإذا بي أصاب بتوقف عن التفكير ولا تسعفني ذاكرتي بوصف مناسب ليكمل الجملة ، وكان أ / محمود مرسي قد وصل إلى الكلوب وبدأ يعبث به حين انتبه أني سكت فقال لي ( ماله الوقت اللي فاضل ) وعندها رددت عليه ( رزل قوي ) ، والملاحظ هنا أنه لا يوجد بين كاتبي السيناريو من يكتب وصف كهذا في جملة حوار ، وهنا أنا أضرب نموذج لارتجال حوار بين اثنين ممثبين أكاديميين يفهمان تماماً طبيعة العبء الملقى على عاتقهما ، ولا أقصد أن أمدح نفسي أو أمدح أ /  محمود مرسي كأكاديميين دارسين ، لكن كثير من المشاهد التي تم تصويرها ونحن نجلس نلعب الكوتشينة في الفنار بشكل دائري كان أ / سعيد مرزوق يكتفي بتوجيهنا إلى الجهة التي يجب أن ننظر إليها ، فلو أننا لا نعي طبيعة المونتاج ، كان من الممكن أن نساهم بدون قصد في تدمير الفيلم كله ، فبعض المخرجين يمارس إبداعاً لحظياً بطريقة تتطلب أن يكون لدى الممثل دراية بالمونتاج وجغرافية المكان واتجاه النظرات يميناً أو يساراً ، وهناك كثير من الممثلين للأسف الشديد يهمل أن يحافظ على جزء من أداءه من اللقطة السابقة واللقطة اللاحقة في اللقطة التي هو بصدد تصويرها ، بحيث يوفر للمونتير المادة الكافية التي يستطيع من خلالها خلق السلاسة وخلق الدفء الإنساني المطلوب لإيقاع اللقطة ، فأحياناً هزة كتف بسيطة في الأمورس تعطي هذا الحس الإنساني الطبيعي ، لكن أن يكتفي الممثل بأداء جملة الحوار المطلوبة منه فقط فذلك من أبشع ما يمكن ، ويسبب الكثير من الصعوبات للمونتير أثناء المونتاج .

في نفس هذه النقطة هناك مشكلة أخرى تواجه الممثل ويمكن أن تصعب من مهمة المونتير ، خاصة لو كان الممثل غير واعي لمتطلبات المونتاج ، أحيانا يقوم بعض المخرجين بالقطع أكثر من اللازم وبلا سبب وجيه ، وأنا دائماً ما أقول ( القطع من غير سبب قلة أدب ) مثلاً يقول أحد الممثلين لزميله ( انت قتلت ) فيرد قائلاً ( لأ ) فنجد المخرج قام بتصوير الجملة الأولى في لقطة مقربة والرد في لقطة مقربة أخرى وتلك قطعات مزعجة إلى أقصى درجة ، وفي بعض الأحيان يلجأ لهذا الأسلوب إذا كان يريد المخرج أن يرضي غرور إحدى النجمات الشهيرات أو رغبة منه في استغلال حب الجماهير لهذه النجمة بإظهارها في لقطات مقربة متتالية قدر الإمكان ، ومن خلال تجربة اثنين وعشرين عاماً قضيتها في التمثيل أستطيع أن أزعم أن اللقطات التي تتضمن جملاً قصيرة متبادلة من أبشع اللقطات التى تواجه الممثل إذا قام المخرج بتقطيعها أكثر من اللازم ، وقد اكتشفت من خلال خبرتي خدعة أستغلها لخلق سلاسة في هذا النوع من اللقطات ، وهي أن أتردد قليلاً قبل إجابة سؤال وجهه إلي أحد زملائي من الممثلين لكي أعطي اللقطة طولها الطبيعي ، وحتى لا تتحول اللقطات المتتالية إلى مباراة في تنس الطاولة ، تكون نتيجتها ألا يتمكن المتفرج من متابعة الأحداث ولن تولد لديه رد الفعل المطلوب .

د / منى الصبان :

ما رأيك في سلوك بعض الممثلين الذين ينتظرون دورهم في اللقطة لكي يقوموا بإلقاء جملة الحوار بدون أن يقوموا بأي انفعال يذكر رداً على الموقف الذي يحدث في اللقطة ، خاصة ان كان واحداً فقط منهم هو الذي يؤدي دوره في الانفعال ؟

أ / نور الشريف :

المشكلة هنا تكمن في أن التليفزيون قد ساهم في تدمير فن التمثيل في مصر ، لأن التليفزيون جعل الممثلين يقومون بالتمثيل للكاميرا ، وقد كنا أحيانا نسخر من أسلوب أ / حسن الإمام الذي كان يشبه إلى حد كبير أسلوب التليفزيون في هذه النقطة بالذات ، وأنا متفق تماماً مع أسلوب أ / حسن الامام ، لأنه كان يعي تماماً ما يفعله ، وقد اعتاد أن يقوم بتصوير المشهد باستخادم الكرين بشكل مسرحي كأننا نشاهد عرض مسرحي مصور ، لكن الفرق هنا أن أداء الممثلين كان متقناً وإيقاع المشاهد كان إيقاعاً صحيحاً ، لكن اليوم نلاحظ في التليفزيون أداءاً بشعاً فكل ممثل ينظر إلى الكاميرا ، ثم يقوم المخرج بالقطع على لقطة متوسطة فلا تتاح أمام الممثل قليل الخبرة الفرصة لكي يسرق النظرة في ظروف ضيق المساحة لكي يعطي الفرصة للمونتير أن يقطع بسلاسة ،  فلو أن الممثل غير دارس لن يستطيع تنفيذها ، أما الممثل الدارس فيحل هذه المشكلة بأن ينظر إلى الأرض لكي يفقد المشاهد الإحساس بالاتجاه ، ثم يرفع رأسه في الاتجاه الذي يريده المخرج ، الاتجاه الذي يتضمن السرقة قليلاً ناحية الكاميرا ، لكي يتيح للنظرة أن تأتي سلسة وسليمة وتسلم للقطة التي تليها بشكل صحيح ، فهذه نظريات علمية في الأداء .

في تجربة أ / سعيد مرزوق ، كان لابد للممثل أن يكون مدركاً لقواعد المونتاج لكي يتمكن المخرج من تركيب اللقطات وفقاً لرؤيته الفنية ، رغم أن أ / سعيد مرزوق كان وقتها عنيداً جداً واختلف مع مدير التصوير أ / عبد العزيز فهمي ، وحاول أن يخرج برؤيته بعيداً عن الشكل السينمائي التقليدي ، وقد ساعد أ / سعيد مرزوق أن اللقطات التي تم تصويرها كانت لقطات مقربة من الحجم الكبير جداً ، والشكل الدائري الذي جلسنا فيه غفر له أي أخطاء تتعلق بالاتجاه قد ارتكبت عن غير قصد ، فالمشاهد لم يكن ليستطيع ملاحظة هذا النوع من الأخطاء ، ولابد للممثل إن خاض تجربة الارتجال أن يكون لديه دراية تامة بالمونتاج واتجاه مواقع الممثلين من اللقطة الأساسيه للمشهد لكي يحافظ على هذا الاتجاه في بقية اللقطات .

هناك نقطة أخرى أود أن ألفت نظركم إليها باعتبار كل منكم سوف يعمل مونتير في المستقبل وهي متعلقة بضرورة خلق علاقة حميمية جداً بينكم وبين المخرجين ، بمعنى ألا تكتفون بمجرد قراءة السيناريو والتعاقد وتلقي الأجر فقط ، فالعلاقة بين المونتير والمخرج ومدير التصوير ومهندس الديكور ومن ثم الممثلين بعد ذلك ، لابد وأن تكون علاقة قوية جداً ، ولابد لهؤلاء الأربعة أن يجلسوا في جلسات عمل مطولة قبل بداية العمل لوضع منهج للعمل والسبب وراء ذكري لهذه النقطة أن أ / سعيد مرزوق في اثنين من أفلامه ( زوجتي والكلب ) وفيلم ( الخوف ) لم يكن يوقف اللقطة عند حد معين ، بمعنى أنه كان يقوم بشرح اللقطة من البداية إلى النهاية ، مثلا إلى أن أقوم بإطفاء السيجاره ففجأة وجدنا أنه وخصوصاً في المشاهد التي تجمعني مع أ / محمود مرسي ، يتركنا نكمل بعد أن نكون قد تخلصنا من التوتر الصناعي الذي يصاحب التمثيل ، ونكون قد وصلنا إلى حالة من الاسترخاء الطبيعي الذي يشعر به الإنسان العادي بعد انتهاءه من عمله ، فعدد كبير من اللقطات التي تم استخدامها تتضمن ردود أفعال طبيعية ناتجة عن هذا الاسترخاء الطبيعي الذي ذكرته ، وأذكر هذا المثل لأنك لو حدث وعملت في يوم من الأيام مع مخرج يعمل بهذا الأسلوب في هذه النوعية من الأفلام أو أي أفلام تحمل رؤى مستقبلية تحتاج إلى أشياء الحياة الصغيرة ، فلابد وأن تتفق مع المخرج أن يترك اللقطة تدور قليلاً بعد انتهاء اللقطة .

في نفس هذه النقطة ولكي لا نحمل الممثل كل العبء ، يوجد نظام للأسف غير موجود عندنا في مصر ، بدأت مؤخراً خاصة في المشاهد الصعبة أصر على عمل بروفه كاملة مثل المسرح للمشهد المعتمد على صراع وإيقاع أداء حواري أو حتى مشهد صامت لكنه مبني على حركة مركبة بين الممثلين لكي يعرف كل ممثل موقعه من اللقطة ماذا سوف يقول ، ما المطلوب منه كرد فعل تجاه موقف معين .

هناك الكثير من الممثلين ينتهي من الأداء بمجرد أن تنتهي اللقطة وهذا خطأ ، ولابد أن يطلب المخرج من الممثل في البروفات أن يكمل الإحساس والحركة ، أحياناً في أحد المشاهد يطلب مني المخرج أن أنتهي من الأداء وأنا أقف مكاني ، إلا انني أشعر بعد انتهاء اللقطة أنه يجب علي أن أتابع السير ، لكن يجب أن أعلم تماماً أين يقع باب الشقة حتى ولو لم يكن بادياً في الكادر ، لكي أتمكن مع الاندماج من أن يبدو سيري في الاتجاه الصحيح نحو باب الشقة وليس نحو باب الحمام مثلاً .

 تجربة أ / محمد راضي كانت مرهقة لمساعد المخرج والمونتير ، فهو كمخرج ينسى نفسه بمجرد أن تدور الكاميرا في البلاتوه ، وهو لا يقوم بتسجيل الصوت في الاستوديو لكي يتمكن من توجيه الممثلين ، وعندما نريد أن ننفذ اللقطة العكسية لا يتمكن مساعد المخرج من ضبط الراكورات ، والمخرج من هذه النوعية يجب على الممثل أن ينتبه وهو يتعامل معه ، أنه أثناء توجيهه لي أبدأ لا شعوريا أعمل الوعي في تحديد الراكورات الخاصة بحركتي ، وهذا يعود بنا إلى نقطة مهمة جداً ، أنه إذا لم يكن الممثل له أسلوب محدد في الأداء فلا أمل في مونتاج جيد .

أحد طلبة القسم :

هل تحتفظ بهذا الأسلوب المحدد في الأداء لنفسك ، أم تناقشه مع المخرج ؟

أ / نور الشريف :

غالباً ما أقوم بمناقشته مع مخرج العمل .

د / منى الصبان :

هناك من المخرجين من يقوم بإعداد الديكوباج وقت التصوير ، فكيف تقوم بالاستعداد للقطة التي أنت بصدد تصويرها ؟

أ / نور الشريف :

في الظروف العادية اصر على قراءة الديكوباج ، أما إذا قام المخرج بإحداث تغيير في الديكوباج أو قام بالارتجال بشكل مغاير لما أعددته للقطة أصر في هذه الحالة على أن أقوم بإعادة اللقطة مرة أخرى لكي يتماشى الأداء مع التغيير الذي حدث .

وأود أن أشير إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية تحتاج إلى وجود ميثاق يحتوي على بعض الملاحظات الهامة التي يقوم المونتير بتنبيه المخرج للمساعد لها والذي يقوم بدوره بتنبيه الممثلين لها ، وأهمهما ألا يرتدي أحد الممثلين أي زي منقسم إلى لونين مختلفين بمعنى أن يكون أحد جانبي القميص أبيض اللون والآخر لونه أسود أو أن يكون الصدر أصفر اللون والظهر لونه أسود ، وأنا أشير إلى هذه النقطة لكي تسهل على المونتير القيام بعمله ، لأنه عند تجاهل هذه الملحوظة يجد المونتير عند قيامه بالقطع بين لقطة ولقطة أخرى مشهداً مفزعاً كأن الممثل قد غادر اللقطة وعاد بعد أن ارتدى زياً آخر ، أو كأن المونتير أخطأ وقام بالقطع بين لقطتين تنتميان إلى مشهدين مختلفين تماماً .

  والسبب الأكبر وراء هذا النوع من الأخطاء الشائعة ، هو غياب المخرج الفني في مصر ، وقد بدأنا الاستعانة بالمخرج الفني لأول مرة في فيلم ( سواق الأتوبيس )

للمخرج أ / عاطف الطيب ، في ظل العمل في القطاع الخاص ، حيث تمت الاستعانة بالفنان أ / رشدي حامد ، وما زلنا إلى الآن نعاني صراعاً مع منتجي الأفلام لكي نجعل من المخرج الفني عضواً دائماً ضمن أفراد فريق العمل ، ففي فيلم ( صراع الأحفاد )

أذكر أن المنتج استغرب طلبي وجود المخرج الفني ، ولم يدرك قيمة اشتراكه في الفيلم ، بالرغم من أن جانباً كبيراً من حصولي على جائزة في مهرجان نيودلهي في فيلم ( سواق الأتوبيس ) يرجع الفضل فيه إلى الفنان أ / رشدي حامد ، لما بذله من جهد في تركيب الشخصية الخارجي ، وبالقطع قد قمت أنا من جانبي بالإعداد للشخصية إلا أنه قام بإضافة اللمسات النهائية التي أسهمت في تحويلي إلى سائق أتوبيس مائة بالمائة ، فالممثل مهما كان موهوباً ودارساً ، إلا أنه يظل في حاجة إلى عين فنان متخصص دارس ، ولا تتخيلوا خطورة عدم الاهتمام بمثل هذه اللمسات النهائية ، وأنا أشدد على أهميتها لأني ارتكبت هذا الخطأ في أحد الأفلام حيث ارتديت قميصاً ظهره أسود اللون وصدره لونه أبيض ، وعندما شاهدت المشهد أصبت بفزع حقيقي ، وكأني كما سبق وأن ذكرت لكم أشاهد لقطة من مشهد آخر مختلف أو أنني غادرت المشهد وعدت إليه وأنا أرتدي قميصاً آخر ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن ذلك يظل مقبولاً طالما أن المشهد لقطة واحدة ، ويكون مقصوداً أن تظهر الشخصية لرجل يهوى التقليعات مثلاً ، أو لممثلة تهوى الظهور بشكل مختلف ، لكن يجب تجنبه في مشهد به لقطات متعاكسة .

هناك اثنين من كبار المخرجين أحب العمل معهم جداً بالرغم من شدة الجهد والمعاناة التي تصيبني من هذا ، هما أ / أشرف فهمي وأ / علي عبد الخالق ، فنجد لدى كل منهما كماً هائلاً من القطع الذي يتميز بالحرفية الشديدة ، ومعظمه يعتمد على تبادل اللفتة ، بمعنى أن يتخذ أحد الممثلين وضعاً مواجهاً للكاميرا في حين يتخذ الممثل الآخر وضعاً جانبياً ، وعند إلقاء جملة حوارية معينة يتخذ كل منهما الوضع الذي كان يتخذه زميله فيلتفت من اتخذ الوضع الجانبي ليواجه الكاميرا في حين يلتفت الآخر من مواجهة الكاميرا ليتخذ الوضع الجانبي ، هذا النوع من القطع يتميز بحلاوة التكوين على الشاشة ، لكنه نوع من العذاب للممثلين ، وأنا أعتبره من أصعب الأشياء التى مرت علي في حياتي ، ولذلك اعتدت عند العمل مع هذين المخرجين أن أكون حاضر الذهن تماماً ، وأتمنى أن تنتبهوا جيداً عند مشاهدة أفلامهما أن اللفتة التي أشرت إليها من الوضع الجانبي إلى الوضع المواجه للكاميرا تروح وتجيء بشكل سريع ، مما يتطلب من الممثل أن يتابع ذلك بإيقاعاً سريعاً ، فلو لم يتمكن الممثل من ضبط إيقاعه بالسرعة المطلوبة فسينعكس ذلك على اللفتة بحيث تبدو بشكل سيء جداً أثناء القطع بالمونتاج ، وهذه السرعة يصعب على مساعد المخرج أو فتاة السيناريو أن تقوم بتحديدها للممثل ، بل أنها تحتاج إلى موهبة الممثل وخبرته وشيء من الليونة في الحركة وتمكن في الأداء ، بحيث يبدو القطع بشكل فيه سلاسة وطبيعية وعدم افتعال .

في بعض الأحيان لا يتمتع المخرج بخبرة عملية وخاصة في تجاربه الأولى ، فيجب على المونتير عندها وبخاصة في مشاهد معينة أن يقوم بإسداء النصح إلى المخرج بعد دراسة السيناريو دراسة متأنية بالأسلوب الأمثل لتصويرها ، على الرغم من أن هذه النصائح قد لا ترتبط بقطع هذه المشاهد بقدر ارتباطها بالمونتاج كتأثير نهائي للصورة ، ولتوضيح هذه النقطة أذكر كمثال اللقطة التي قام بتصويرها المخرج أ / يوسف شاهين في فيلم ( باب الحديد )

التي تضمه مع الفنانة أ / هند رستم عندما يقوما بالابتعاد عن مسار القطار المتحرك في آخر لحظة اخر ، فمن الجنون أن يخاطر المخرج بحياة الممثلين لكي يقوم بتصوير لقطة كهذه فقد يتشابك جلباب الممثل في أحد مسامير الفلنكات أو أن تنزلق إحدى قدميه بسبب الشحم ، ويحدث ما لا تحمد عقباه ، فلكي يضمن المخرج سلامة الممثلين يقوم بتصوير هذه اللقطة بالعكس ، وقد أعدت تمثيل هذه اللقطة في فيلم ( حدوته مصرية ) وأنا أعتبرها من أهم التجارب التي خضتها في حياتي ، فلو أن المخرج في بداية حياته المهنية تصبح مهمة المونتير أن يقوم بتنبيهه إلى خطورة تصوير مثل هذه اللقطات بالأسلوب التقليدي ، فقد يؤدي ذلك إلى فقد أحد الممثلين ، بالإضافة إلى توصيل المصداقية من خلال الإيقاع السليم للأحداث لدى المتلقي ، ولن يحقق المونتاج هذا الغرض ، إذا قام المخرج بصوير هذه اللقطة بالشكل التقليدي ، لأن الممثل سوف يقوم بشكل تلقائي بالقفز بعيدا ً عن القطار قبل الوقت المحدد لذلك فتتحول اللقطة إلى لقطة هزلية ، وقد كانت تجربة غريبة وصعبة بالنسبة إلي كممثل أن أقوم بالأداء المطلوب مني بشكل عكسي ، فقمت وقتها بتمثيل الانفعال بالشكل الطبيعي لكي أتمكن من حفظ ترتيبه ، فقناوي يحدث هنومه ويسمع صوتاً فينظر نظرة عادية ثم يفاجأ بالقطار فتتحول النظرة إلى نظرة فزع فيقوم باحتضانها ثم يلتفت إللى الخارج فقمت بعكس هذا الترتيب .

ولذلك أنا أشدد على أن الفيلم أمانه كاملة في يد المونتير ، ففي استطاعته أن يقوم بإنقاذ الفيلم والمخرج والممثلين أو أن يقوم بتدمير كل هذا ، وهذا بالقطع بشرط توافر المادة المصورة التى تساعده على تحقيق ذلك ، وهذا ما أقصده تماماً بالعلاقة الحميمية بين المخرج والمونتير ، ولابد لكي ننجح في إرساء قواعد هذه العلاقة ، أن يكون هناك اهتمام من الأجيال الجديدة بعقد جلسات تحضير عمل حقيقية ، يتبادل فيها المخرج والمونتير الخبرات والأراء ، ويفيد المونتير خلالها المخرج بالحلول العملية التكنيكية لبعض المشاهد الصعبة .

د / منى الصبان :

نود أن تحدثنا أكثر عن تجربتك في العمل مع أ / يوسف شاهين ، على أساس أنه يحاول – ولست أدري إن كان عن دراية أم لا – أن يقوم بفرض إيقاعه الخاص على الممثلين بحيث أن نرى أغلب الممثلين يتحدثون بمثل أسلوبه .

أ / نور الشريف :

قد ينطبق هذا القول على كل الممثلين ماعدا اثنين أ / محمود المليجي وأنا ، على الرغم من أني كنت أقوم بأداء شخصيته ، وقد تسبب ذلك في مشكلة بيني وبينه أول ثلاثة أيام إلى أن واجهته بأن محاولته فرض إيقاعه الخاص علي سوف يحولني إلى مونولوجيست أو مجرد شخص يقوم بالتقليد ، وقد كان همي وشاغلي الأكبر أن أقوم بترجمة روحه الداخلية .

وأود أن أذكر أنني ذكرت في ملاحظاتي التي أعددتها لهذا اللقاء ، عن تجربة العمل مع أ / يوسف شاهين ، أنني اكتسبت خلالها من الخبرات قدر ما اكتسبته خلال أربعة عشر عاماً قضيتها في العمل كممثل ، فأنا اعتبره عبقرية سنيمائية حقيقية ، إلا أنه يعيبه إصابته بالنرجسية إلى أقصى درجة ، وعلى الرغم من أن عشق الذات أمر يتميز به كل فنان ، إلا أن تعاظم عشقه لذاته أكثر من اللازم يجعل التعامل معه مشكلة لا يمكن وصفها ، هذا بالإضافة إلى نظرته للممثل باعتباره إحدى قطع الأكسسوار .

إلا أن ذلك لا يمنع أن العمل معه في منتهي المتعة بقدر ما هو في منتهى الصعوبة وأنا أود هنا أن أرسل له عظيم تحياتي ، ولو رأيتم سيناريو فيلم ( حدوتة مصرية )

لهالكم كم الدقة في عمل الديكوباج الذي كنت أقوم بنقله صفحة صفحة ولقطة لقطة ، فأنا لم أعمل مع مخرج آخر في مصر يكتب في الديكوباج متى يقوم بقلب أكس الكاميرا ، وأ / يوسف شاهين دراسته في الأساس مسرحية ، ولذلك نجد أن حركة الممثلين لديه حركة مسرحية ، إلا أن عبقريته تكمن في متابعتهم حيث أنه لا يقوم بانتظارهم ، على عكس أ / حسن الإمام الذي يبدو في أعماله تأثير المسرح ، إلا أنه اعتاد أن ينتظر الممثلين جهة الجمهور بمعنى أنه اعتاد وضع الكاميرا في المكان المعد للجمهور ، فالفرق بين الاثنين أن أ / يوسف شاهين يقوم بمتابعة الممثلين حيث نجده يجري ورءاهم ولا ينتظر أن يأتوا هم إلى الكاميرا ، ولذلك نجد اللقطات المقربة في أعماله قليلة جداً إن لم تكن نادرة ، إلا أنها في موقعها الصحيح .

ويعتبر هذا من ضمن الأخطاء الشائعة التي يرتكبها المخرجون ، وهذا النوع من الأخطاء تقع مسئوليته بالكامل على المخرج ، فليس للمونتير ذنباً فيه ، لأنه سيضطر إلى تركيب الفيلم الذي قام المخرج بتصوير لقطاته عبارة عن مجموعة من الأمورسات واللقطات المقربة ، إلا أن المبالغة في استخدام اللقطات المقربة والأحجام الكبيرة يفقد الفيلم مناطق الاهتمام أو مناطق الأهمية ، أما أ / يوسف شاهين فيعي تماماً أهمية اللقطة المقربة ويعي تماماً متى يقوم باستخدامها لكي تصبح مؤثرة .

إلا أننا نعود لعيب آخر في أسلوب أ / يوسف شاهين ، وهو إهماله أن يقوم بشرح رؤيته في الأداء ، فهو يريد من الممثل أن يؤدي كما يريد وبإيقاع محدد وسريع ، ولديه مشكلة أخرى أنه المخرج الوحيد الذي يطلب من الممثلين أن يقوموا بإلقاء جمل الحوار أثناء سيرهم في نفس الوقت الذي يقومون فيه بأداء بيزينيس الممثل ، بمعنى أن يتحرك الممثل ويقوم بتجفيف شعر رأسه وهو يلقي جملة الحوار في حين يأتي الممثل الآخر من خلفه لكي يتفاعل معه ، كل ذلك يصعب على الممثلين الذين اعتادوا على التمثيل التقليدي أن يدركوه وأقصد بالتمثيل التقليدي أن يدخل اثتنين من الممثلين إلى أحد الكازينوهات مثلاً ، فيجلسان إلى طاولة أو يجلسان في غرفة السفرة أو في غرفة الصالون ، ثم يقومان بإلقاء الجمل الحوارية بشكل هاديء ومريح ، يتحول بعد ذلك إلى قطعات تقليدية مريحة ، ونجد أن الممثلين يتمتعون بقدر كبير من الراحة أثناء العمل ، على عكس الممثلين الذين يعملون مع أ / يوسف شاهين الذين نجدهم يلهثون طوال الوقت ، وعلى سبيل المثال لا نجد مشهداً واحداً يتناول فيه الممثلون الطعام في أفلامه ، بل غالباً ما نجدهم وقد أنهوا تناول الطعام ويستعدون لتنظيف السفرة ، وهذا نوع من ذكاء المخرج ، وهذا لا ينفي أن بعض مشاهد تناول الطعام في السينما الفرنسية ساحرة ، إلا أنه لا يريدها لأنها لن تساهم في تحقيق الإيقاع الذى يريده ، فالممثل الذى يعمل معه لابد وأن يكون متمكناً جداً من الناحية الحرفية ، وأن يكون معتاداً على أسلوب البيزينيس مع التمثيل بسهولة .

وهناك عيباً آخر في أفلام أ / يوسف شاهين ، وهو عدم وضوح الحوار ، لانه يطلب إيقاعاً سريعاً جداً من الممثلين ، فإذا كانت آلة النطق عند الممثل غير جيدة فلا مفر من أن حديثه سوف يضيع ويصبح غير مفهوم .

وعلى الجهة الآخرى ، وبمناسبة الحديث عن عبقرية أ / يوسف شاهين السينمائية أذكر أنه ذكر لي في أحد أفلامه القديمة أنه أراد تصوير مأذنة أحد المساجد وهي مضاءة بالأنوار ، ولأسباب خارجة عن إرادته لم يتمكن الإنتاج من تحقيق ذلك وتم تصوير المأذنة غير مضاءة ، فجن جنونه وذهب لمارسيل صالح في مونتاج النيجاتيف ، وقام بثقب حواف المأذنة في كادرات محددة باستخدام دبوس فتكونت بقع بيضاء أعطت تأثيراً ضوئياً لم يكن موجوداً وقت التصوير ، ثم تم طبع البوزيتيف ، وظهرت النتيجة مبهرة حيث أضاءت أنوار المأذنة في منتصف المشهد في الوقت الذي أراده ، وأذكر هذه الواقعة كنموذج لعبقرية الإنسان المصري بشكل عام والفنان المصري على وجه الخصوص .

أما بالنسبة للحديث عن أ / يوسف شاهين بصفته المخرج المدرك للمونتاج ، والذي يؤكد نظرته للممثل باعتباره إحدى قطع الأكسسوار ، أود أن أذكر أن آخر عشرون دقيقة في فيلم ( العصفور )

وهي في رأيي الشخصي من أجمل ما أبدع أ / يوسف شاهين في حياته الفنية ، والتي تتضمن انتظار خطاب التنحي الذي ألقاه الرئيس الراحل / جمال عبد الناصر والتي تتضمنت في المونتاج ورقة حركتها الرياح بالقرب من المساكن الشعبية التي قام ببناءها الرئيس الراحل / جمال عبد الناصر ، لقطة تم اختيارها بذكاء شديد ، تلتها لقطة لصفحة نهر النيل الساكنة ، وهذه اللقطة سهلة التنفيذ ، من خلال زيادة سرعة الكاميرا أثناء التصوير فتبدو بطيئة أثناء العرض بشرط ألا يوجد في الكادر شئ آخر متحرك ، ثم قام بالقطع على لقطة أمورس لشاشة التليفزيون في نفس الوقت الذي نستمع فيه إلى صوت الرئيس الراحل / جمال عبد الناصر ، ثم لقطة مقربة جداً إلى جوار باب غرفة تقطعها يد الفنان أ /  محمود المليجي ، كل هذه القطعات لحوالي ستة لقطات تبدو من خلالها عبقرية المونتاج التى لا تعتمد على الممثل لأن المادة المصورة هنا ، والتي يعتمد عليها بناء المشهد لا تعتمد على عنصر حوار مؤلف ، نفس هذا المستوي العبقري من المونتاج نجده في المقطع الذي تمت إضافته من أغنية السيدة / أم كلثوم في فيلم ( حدوته مصرية ) ، فكيفية تنفيذ المونتاج على أنغام مقطع من أغنية نستمع إليها في الخلفية ، بحيث يساهم المونتاج من خلال ترتيب اللقطات في ترجمة العلاقات بين الشخصيات على الرغم أن أحداً من الشخصيات لا ينظر في اتجاه الآخرين ، هذا المشهد من أكثر المشاهد سحراً في أفلام أ / يوسف شاهين ، وأنا أعتز بدوري في هذا الفيلم إلا أنني أعشق هذه اللقطة المقربة التي أستمع فيها إلى صوت السيدة / أم كلثوم وأعتبرها من أجمل اللقطات التي قمت بأداءها في حياتي كممثل ، وهذا الجزء نموذج عملي يوضح عبقرية المونتاج ، لكن أعود وأشير إلى أن المادة المصورة ساعدت المونتير على القيام بعمله الإبداعي .

أحد طلبة القسم :

في فيلم ( حدوتة مصرية ) توجد لقطة لك عندما ذهبت إلى الجزيرة أثناء قيام إحدى المظاهرات حيث لعب المونتاج دوراً كبيراً في قلب الأحداث التى كانت تنبض عنفاً إلى لقطة كوميدية .

أ / نور الشريف :

في كثير من الأحيان يقصد أ / يوسف شاهين ، قلب اللحظة لتصبح أخف ظلاً ، لأنه لا يريد أن يحملها ثقلها الحقيقي ، ولو تلاحظون أن الدور كله يمتليء بتعليقات عجيبة ، ولكن لأن حوار أفلامه تتم كتابته بشكل غريب ، لا يتمكن المشاهد دائماً من ملاحقة الإيفيهات المضحكة التى يقصدها ، وكمثال على هذه التعليقات رده عندما سألوه في المستشفى التي يعالج بها عن ديانته فيرد قائلاً ( المفروض مسيحي ) هذا النوع من الإيفيهات يتم ترديدها كثيراً على لسان أبطال أفلامه ، وهذا جزء لا يتجزأ من روح أ / يوسف شاهين الفنان التي تدعوه دائماً لخلق مقدار محسوب من السخرية في بعض المواقف .

د / منى الصبان :

هل حضرت مونتاج بعض أفلامك من أوله لآخره ، وكان لك رأياً معيناً في المونتاج ، ومن كان المونتير الذي قام بالمونتاج ؟

أ / نور الشريف :

أذكر من هذه الأفلام فيلم ( دائرة الانتقام ) وفيلم ( قطة على نار ) وقام بالمونتاج لكليهما المونتير أ / سعيد الشيخ .

هناك نقطة توضح ضرورة لقاء المونتير والمخرج من البداية ، هي أسلوب الفيلم والتي تحدد بالتبعية طبيعة المونتاج ، فلو أنهما متفقان منذ البداية على أسلوب الفيلم وتمكن الاثنان عندئذ من المحافظة على إيقاعاً متناغماً فإذا أراد المخرج خلق إيقاعاً شعرياً في الأداء فمن الضرورة ألا يتم القطع بشكل مبالغ فيه ويلتزم المصور بحركة كاميرا ناعمة ، ويلتزم المونتير بإتاحة الوقت اللازم لفترات الصمت بحيث تصبح مريحه .

فعلى سبيل المثال بعد عرض فيلم ( قلب الليل )

قابلني الكثيرون ممن اعتبروا أن إيقاع الفيلم بطيء ، على حين اعتبرته أنا سريعاً فقد كان الإيقاع المناسب والمتناغم مع طبيعة الموضوع الذي يقوم الفيلم بطرحه ، لسبب بسيط وهو أن موضوع الفيلم يدخل ضمن إطار فلسفي ، فالمؤلف يريد أن يطرح على ذهن المشاهد فكرة فلسفية ، فلو أتبع المؤلف فكرة فلسفية معينة بأخرى لها نفس الطبيعة الفلسفية في إيقاع سريع لن يتمكن المتلقي من استيعاب أي منهما ، لأني لم أتح له الفرصة ولا الوقت الكافي لذلك ، فهناك أفكار يحتاج العقل إلى أن يستوعبها ويعي دلالاتها ، وبالقطع فهي مسئولية المخرج ان يخلق هذا الإيقاع الشعري غير الواقعي بدون أن يصيب المتلقي بالملل ، لكن الحقيقة توجد بعض القطعات في فيلم ( قلب الليل ) شعرت أثناء مشاهدتها بفزع ، مثل المشهد الذي أنظر فيه للفنان أ / فريد شوقي بعد وفاته فقد كان لابد وأن يطول ، لأن الشخصية التي كنت أقوم بأداءها ظل طوال الفيلم يذكر كم افترى أبوه عليه وكم كان قاسي القلب تجاهه ، فأنا رأيي أن لحظة وفاة هذا الأب لابد وأن يتزلزل فيها كيان الإبن بل ويتزلزل لها الكون كله ، ولذلك أؤكد على ضرورة الحرص على عقد جلسات بين المخرج والمونتير ومدير التصوير ومهندس الديكور ، لكي يتم الاتفاق على أسلوب العمل ، وتحديد ما إذا كان الفيلم من النوع الواقعي أو التعبيري أو الرومانسي أو الفلسفي ، لكي لا يتم الوقوع في أخطاء أثناء التنفيذ .

وأعود لفيلم ( قلب الليل ) ، وأذكر أنه لو قام مهندس الصوت بالاتفاق مع المونتير بإضافة صدى صوت بسيط لبيت الجد في باند الصوت أثناء تنفيذ عمليات المونتاج ، لساهم ذلك في خلق جو غير واقعي يجسد هذا العالم الرمزي الذي أراد المؤلف أن يأخذنا إليه ، عالم يخلو من قذارات الحياة الخارجية وظلالها العنيفة وضوضاء الشارع ، بمجرد تعديل الصوت الواضح إلى صوت أجوف ، يضفي طعماً مختلفاً على أحداث الفيلم .

وفي بعض الأوقات يصبح الممثل عنصراً مزعجاً للمونتير ، كما في فيلم ( الأخوة الأعداء )

 والذي افتقر لوجود التناغم في أسلوب الأداء ، والذي أشعر الممثل بالتالي بعدم الراحه وبالتالي يضطر المونتير إلى أن يقوم بالتضحية بأحد الممثلين لكي يتمكن من ضبط إيقاع أحد المشاهد ، لأن الممثل الذى أمامه يرد بإيقاع مختلف ، وقد يكون الممثل الذي يتم التضحية به هو الأحسن ، لكن لا مفر من تلك التضحية لارتباط إيقاع هذا المشهد بإيقاع الفيلم ككل .

فلابد من البداية في حياتكم العملية الاتفاق مع المخرج على أسلوب العمل في الفيلم ، والذي يقوم المخرج بعد ذلك بشرحه إلى الممثلين .

فمثلا في فيلم ( المطارد )

 

 للمخرج أ / سمير سيف ، وأنا أعتبره أفضل فيلم تم تصويره عن عالم الفتوات ، جلست مع المخرج جلسات مطولة استغرقت أسبوعاً كاملاً ، قام خلاله بشرح وجهة نظره وما يريد تنفيذه في الفيلم ، وقد أراد المخرج إضفاء روح القدم على أجواء الفيلم حتى في وضع الكاميرا ومستواها والعدسات المستخدمة وقد قام مدير التصوير أ / محسن أحمد بالمساهمة في جلسات التحضير ، فمصادر الضوء التى تم استخدامها تحت إشراف أ / أنسي أبو سيف ، استمدت من لمبات إضاءة تم تحويلها من 220 فولت إلى 110 فولت ، لكي تعطي الإيحاء بالإضاءة التي توفرها الفوانيس ذات الزجاج العسلي اللون التي تحتوي على شمعات الإنارة ، حيث لم تكن الكهرباء مستخدمة في الزمن الذي تدور فيه أحداث الفيلم ، وتحولت صورة الفيلم بفضل الإضاءة إلى إحدى اللوحات القديمة ، هذا الأسلوب في العمل يريحني كثيراً كممثل وقد يثيرني لكي أؤدي جملة الحوار بنفس الشكل القديم المتناغم مع أحداث الفيلم .

وفي فيلم ( الصعاليك )

للمخرج أ / داود عبد السيد ، واجه الفنان أ / محمود عبد العزيز خطأ من أبشع الأخطاء التي يمكن أن تواجه الممثل والتي يرتكبها المخرج وهو أن يضعه في مقدمة الصورة وظهره للكاميرا مواجهاً لزميله الممثل أثناء إلقاءه جملة حوارية ، لأن الممثل لو حاول أن يقوم برد فعل لكل جملة فسوف يبدو مضحكاً للغاية ، فالفنانة يسرا كانت تقوم بإلقاء مونولوج جميل أعتقد أنه إضافة للتأليف الدرامي في العالم العربي ، تعبر من خلاله عن عدم خيانتها لزوجها ، فهذا المشهد العبقري الساحر الذي قام بكتابته أ / داوود عبد السيد ، لا يعيبه سوى هذا التكوين الذي أشرت إليه ، وعلى قدر إشفاقي على أ / محمود عبد العزيز ، على قدر ما استعمل هو ذكاءه وخبرته في الأداء حيث قام بالنظر إلى الأرض وعلى الأكثر صدرت منه نهنهه مرة واحدة .

وقد يكون السبب في ارتكاب المخرج لمثل هذا الخطأ أنه أول عمل له ، إلا أن أي مخرج ممكن أن يرتكب مثل هذا الخطأ برغم طول خبرته إذا أصر على استخدام أحد التكوينات التي تستهويه ، لكن بالنسبة لصورة الممثل فكان من الأفضل أن يقوم المخرج بتجاوز الممثل في المقدمة ، ثم يقوم بتصويره في مجموعة من ردود الأفعال ، حتى لا يظلم الممثل ، لأنه لو تابع المشاهد هذا المشهد لعلق أن أ / محمود عبد العزيز لم يقم بأداء رد الفعل بشكل صحيح ، لكن الحقيقة أنه لو كان قد قام بأداء رد الفعل بالشكل الصحيح التقليدي لكان أساء إلى صورته التي سوف تتحول إلى صورة مضحكة .

ويدخل هذا الخطأ من ضمن الأخطاء التي يجب أن يقوم المونتير بتنبيه المخرج إليها خاصة كما سبق وأن أشرت إذا لم تكن لديه الخبرة العملية الكافية ، والذي يمكن معالجته بأن تدخل الكاميرا بشاريو بطيء على الممثلة أثناء أداءها ثم تصوير ردود أفعال الممثل بشكل منفصل لكي يقوم بإنقاذ الممثل من أداء ردود أفعال متكررة .

وعلي سبيل المثال كنا نقوم بتصوير فيلم في لبنان عام 1972 ، وفي أحد المشاهد يتم قتل الفنان أ / رشدي أباظة على يد أحد الأشخاص باستخدام خنجر ، فلمحت شيء من المبالغة في انفعالات أ / رشدي أباظة ، وعلى الرغم من أنها مناسبة لشخصيته ويقبلها منه الجمهور لحبه إليه ، إلا أنني اقترحت وقتها أن يتم استخدام محرك الحركة البطيئة لتصوير وجه أ / رشدي أباظة أثناء أداءه لانفعالاته ، في لقطة مقربة بالحركة البطيئة ، ولا تتخيلوا مقدار سعادتي بعد ذلك عندما رأيتها في فيلم ( أشياء للحياة ) وفي فيلم آخر لجان لوي تنتيريان في مشهد له يموت وهو يقود سيارته ، وخلفية الصورة تتحرك ببطء ، وقد أردت الاستفادة بعيب من وجهة النظر الأكاديمية في الأداء لكنه لا يعتبر عيباً جماهيريا لخلق معادلة بين الاثنين .

نقطة أخرى أعتبرها هامة جداً تتعلق بعلاقة الممثل بالموسيقى في الفيلم ، فالممثل أثناء تصويره لدوره لا يعلم طبيعة الموسيقي التصويريه التى سوف تتم إضافتها للفيلم ، وهل تعتمد على لحن أم إيقاع ، والحقيقة أنها تؤثر في أداء الممثل ، وأود أن أذكر لكم تجربة مررت بها وأنا معيد في المعهد العالي للفنون المسرحية ، أثناء إخراجي لمشهد من مسرحية ( بيكيت ) لممثل ضعيف جداً من الناحية التكنيكية ولا يمتلك إمكانيات تمثيلية قوية ، وكان يقوم بأداء شخصية الملك هنري ، وفي جزء من المشهد يتخلى بيكيت عن الملك هنري ويذهب بعيداً ، فما كان مني إلا أن طلبت من هذا الممثل أن يصرخ بأعلى صوته منادياً على توماس بيكيت ، وقبل أن أسترسل في الحديث عن هذه التجربة ، أود أن أذكر معلومة تخص المسرح ، حيث توجد سماعات صوتية وراء الستار كما توجد أيضاً سماعات صوتية في الصالة ، والتي زاد عددها الآن بعد تطور أجهزة ومعدات الصوت ، وأثناء صراخ الممثل منادياً على توماس بيكيت إلى أن نفرت أوردته وتصبب عرقاً ، قمت بنقل صوت الموسيقى من السماعات الموضوعة على خشبة المسرح والتي يتم تحديد مستوى الصوت الخارج منها لكي لا تطغى على صوت الممثلين إلى السماعات الموضوعة في الصالة ، فأصبح صوت الموسيقى عنيفاً جداً لدرجة أنه طغى على صوت الممثل ، إلا في فترات السكون الموجودة بين الجملة الموسيقية والأخري والتى كانت أشبه بدقات القلب ، فكان الجمهور لا يسمع من صوت الممثل إلا أجزاء من اسم توماس فمرة يسمع ( تو ) ومرة يسمع ( اس ) ، ولا تتخيلوا التأثير الذي خلقه هذا في نفوس المشاهدين حيث ضجت الصالة بالتصفيق ، وحصل هذا الممثل على تقدير جيد جداً ، وأنا أذكر هذه التجربة عن قصد لكي أوضح أن الممثل يمكن أن يكون محدود الموهبة ، يستطيع المونتير بالاتفاق مع المخرج الواعي أن ينقذ أداءه المتواضع في لحظات الانفعال العنيفة باستخدام الموسيقى بالدرجة المناسبة وهذا أحد الأدوار الرئيسية التي يلعبها المونتير ويضيف من خلالها الكثير للممثل باستخدام الموسيقى في مناطق ضعف الأداء التمثيلي .

لي تجربة أخيرة مع المخرج أ / داود عبد السيد ، في فيلم لم يعرض بعد اسمه ( البحث عن سيد مرزوق )

وقد فوجئت أنه قد كتب لي مشهداً في صفحة كاملة وفي خانة الصورة وصف عبقري لمجموعة من الانفعالات الكثيرة وآخر الصفحة جملة واحدة ( هاقتلك يا سيد يا مرزوق ) فسالت أ / داود عبد السيد وانتبهوا إلى أهمية أن  يكون الممثل على دراية بالمونتاج والإخراج ، هل ستقوم بتنفيذ هذا المشهد في لقطة واحدة ، فأجاب بالإيجاب ، فلقطة واحدة بهذا الطول من المؤكد أنه سيقوم بإضافة موسيقي تصويرية لها ، والموقف باختصار يدور حول يوسف بطل الفيلم مواطن عادي إنسان بريء سار في بداية حياته مرة واحدة في مظاهرة بالصدفة البحتة ، فسمع صوتاً يحادثه ( يا يوسف ارجع بيتك أحسن لك ) ، فنظر خلفه فوجد شخصاً طويل القامة يضع يديه في جيبيه يبدو عليه أنه مخبر فاندهش أنه يعرفه ويعرف اسمه ، فكرر له نفس الجملة مرة أخرى ونظر إليه نظرة حادة جداً خيل إليه من شدة خوفه أنها تثقب رأسه فما كان منه إلا أن قام بالجري إلى أن وصل لبيته ، وظل لمدة عشرون عاماً لا يخرج من بيته إلا لعمله ، فهو نموذج للمواطن البسيط الذى لا يتخذ موقفاً من الحياة وجمال الفيلم يتركز في استيقاظ بطل الفيلم في أحد أيام العطلات معتقداً أنه أحد أيام العمل ويقرر أن يحيا حياته مرة أخرى بشكل مختلف عن الشكل الذي اعتاد عليه خلال عشرون عاماً ، فيتعرف على شخص يفتح له كل الأبواب الخلفية لمدينة القاهرة ، فيبدأ في التعرف على حقائق أخرى غير التي كان يعرفها ، فيتحول من إنسان مسالم إلى إنسان متمرد ، فكم المعاناة التى رآهاعلى يد هذا الشخص المعروف بسيد مرزوق يتم ترجمتها في لقطة طويلة صامته تنتهي بجملة ( هاقتلك يا سيد يا مرزوق ) ، والانفعالات التى قام بكتابتها أ / داود عبد السيد متتالية لكنها في شكل دائرة تغلق في النهاية ، بغضبه ثم من خلال مراجعته لنفسه يكتشف أنه أخطأ في حق نفسه عندما تركها لهذه الدرجة من الوهن ، ثم يسخر من وهنه هذا ، ثم في خضم حيرته وتباين انفعالاته تتصاعد هذه الانفعالات إلى أن ينتهي لغضب يقوده إلى قوله هذه الجملة .

فالمخرج أ / داود عبد السيد استنفر إمكانياتي كممثل وقام بالإعداد لهذه اللقطة شاريو طويل جداً في حجم كبير ، ولما أخبرني أنه ينوي تصوير المشهد في لقطة واحدة ، ففكرت أنه بما أنه سيتم إضافة موسيقي تصويرية للمشهد ، فلو أنني قمت بالأداء تبعاً لأحاسيسي الداخلية للمشهد ، سوف أضع مؤلف الموسيقى التصويرية في مأزق رهيب أثناء الميكساج ، لأنه لو استغرق انفعالي وقتاً أطول من المطلوب موسيقياً ، لأنه من المؤكد سوف يحاول ترجمة أدائي إلى جمل موسيقية .

هذا الأمر جعلني أفكر بشكل عكسي ، وهذه إحدى التجارب الطريفة التى خضتها مؤخراً ، حيث طلبت من المخرج أن يجعل المؤلف الموسيقي أ / راجح داود ، أن يجرب تجربة عكسية ، حيث أقوم بمحاولة شرح كيفية أدائي للانفعالات المطلوب مني أداءها ، ويقوم هو بتأليف موسيقى تصويرية مسبقة لها وطلبت من أ / راجح داود ، تأليف الموسيقى التصويرية بطولين مختلفين ، خوفاً من أن يغريني الموقف في بعض الأحيان إلى أن أتدفق كممثل في الأداء ، فأفسد الإيقاع الموسيقي ، ثم قمت بالاستماع للموسيقى بلاي باك أثناء تصوير اللقطة ، فهذا نوع من المونتاج الداخلي المسبق في الأداء ، ونوع من التعاون المطلوب بين المخرج والممثل والمونتير ومؤلف الموسيقى التصويرية ، بحيث لو تغير حجم اللقطة يصبح من السهل على مؤلف الموسيقى أن يعيد ضبط الموسيقى مع التغيير ، ثم يعود إلى المونتير فيطلب منه زيادة طول اللقطة لكي تتناغم مع النوتات الموسيقية ، حتى لا يحدث نشاز في البناء الموسيقي وهذه التجربة كانت غريبة علي وقد مرت علي بالصدفة ووجدت انها هامة جداً لأي ممثل .

هناك نقطة تحدثنا فيها عن العلاقة المباشرة بين الممثل والمونتاج بالنسبة لراكورات الحركة وهي مرتبطة بمساعد المخرج وقد قلت بأني أحمل الممثل المحترف مسئولية كبيرة في ان يكون منتبهاً لحركات يديه وراكور الانفعال الذى ينتابه لأن في النهاية ظروف العمل في مصر قاسية جداً ، فلكم أن تتخيلوا تصوير مشهد في ميدان السيدة زينب أو في أي حي شعبي آخر ، هذه الظروف تحول دون أن يؤدي مساعد المخرج دوره كاملاً فيما يتعلق بتذكير الممثل براكور الحركة وراكور الانفعال ودرجة صوته إلى عير ذلك ، ويصبح هذا أمراً شبه مستحيل في التصوير الخارجي ، وغالباً ما يصبح المخرج عصبياً بسبب ظروف الإنتاج فيرد مساعد المخرج عن توجيه الممثل إلى راكور الحركة اعتماداً أو أملً في أن يتمكن من معالجة الأخطاء الناجمة عن ذلك أثناء المونتاج ، وهذه الأخطاء هي نفسها الأخطاء التي تصبح بعد ذلك من أكثر الأشياء التي تزعج المونتير أثناء تركيب اللقطات .

وأقترح لكن هذا الاقتراح يتطلب ظروف إنتاجية معينة ، أن يصاحب التصوير السينيمائي كاميرا فيديو صغيرة يستعملها مساعد المخرج لكي يراجع مع الممثل من خلالها راكور الحركة وراكور الانفعال ، مما يساعد في تيسير عمل المونتير عند تركيب اللقطات .

د / منى الصبان :

ألا يهم إن كانت زوايا الفيديو مختلفة عن زوايا السينيما ؟

أ / نور الشريف :

الكاميرات الحديثة المعروفة باسم ( بي إل ) دائماً ما تصاحبها وحدة فيديو ملاصقة للكاميرا السينمائية ، تنتج نفس الصورة تقريباً ،  وهي لها فوائد كثيرة من أهمها إتاحة الفرصة أمام المخرج لكي يرى النتيجة الفورية لعمل المصور ، وأذكر أنني خضت تجربة ألبمة جداً العام الماضي حيث اتفق المخرج مع المصور على حجم اللقطة وللأسف توجد كاميرات في مصر مثبت عليها عدسة زووم انا شخصياً أكرهها ، فما كان من المصور نتيجة إحساسه الزائد بذاته إلا أن قام بتغيير التكوين ودخل في منتصف اللقطة باستخدام العدسة الزووم ، فالمخرج يعطي انتباهه لأداء الممثلين ، إلى أن يفاجأ في صالة العرض بالنتيجة ، فمن مميزات وحدة الفيديو الملاصقة للكاميرات السينيمائية الحديثة أن المخرج ينظر إلى المونيتور فيرى بالضبط ما يفعله المصور بالكاميرا فيتمكن من معالجة أي عيوب قد تؤثر على رؤيته الفنية في النهاية وفي نفس اللحظة .

ميزة أخرى وأعتبرها أخم من سابقتها ، وقد رأيتها في مهرجان طهران في فيلم وثائقي عن ( جاك ليمون ) أثناء إخراجه أحد الأفلام ، حيث كان يصور البروفة بكاميرا الفيديو ثم يقوم بعرضها على الممثلين على المونيتور ، وم خلاله يقوم بتوجيه الممثلين إلى مناطق الضعف في الأداء كأن تكون إحدى فترات الصمت قد طالت قليلاً أو أنه يريد الانفعال في موقف معين بشكل مختلف أو حتى توجيههم إلى راكور الحركة ، ثم يقوم بإعادة البروفة مرة أخرى إلى ان يصل إلى أفضل نتيجة ممكنة ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية لا يتبعون هذا الأسلوب بهدف توفير الفيلم الخام المتوافر هناك بشكل كبير ، ولكن في سبيل الإجادة الفنية ، وقد توصل العاملون في المجال السينمائي إلى استغلال هذا الاختراع بطريقة ظريفة جداً تحافظ على النيجاتيف ، وهي تنفيذ المونتاج الأولي على أشرطة الفيديو ثم يقومون بالمونتاج النهائي للنيجاتيف في آخر مرحلة بعد الوصول إلى نتيجة مرضية من المونتاج الأولي ، وحتى لا يتعرض النيجاتيف لاستهلاك لا داعي له ، وهنا في مصر توجد على الأقل ستة من شركات الإنتاج يمكن لها تحقيق هذا الاقتراح ووضعه في حيز التنفيذ .

في أحد الكتب التي قرأتها ، قرأت عما يسمى بمونتاج أفلام النجوم الكبار وقد كانت موجودة بالعصر الذهبي للسينما الأمريكية ، من الثلاثينيات إلى الخمسينيات من القرن العشرين ، حيث كان الممثلين يقومون بتحديد عدد اللقطات المقربة التي يظهرون بها ويتم تدوين هذا ضمن شروط التعاقد ، ولكن هذا النوع من المونتاج ليس فنياً بقدر ما هو مونتاج تجاري ، وقد قرأنا هذا الكلام في الكتب بدون أن نعيشه ، لكن يمكن لنا أن نتخيل كم الألم والأرق الذي يشعر به المونتير عندما يطلب منه إضافة لقطات لكلارك جيبل أو لمارلين مونرو في أماكن ليس لها داع درامي أو فني ، وأنا أذكر هذا المثل لأنه يوجد لدينا للأسف الشديد عدد كبير من النجوم في مصر والمحزن أن بعضهم متعلم وأكاديمي يحدث الكثير من المشاكل أثناء التصوير بسبب مثل هذه الأمور ، مشاكل لا تتصوروها فبعضهم يرفض أن يتم تصويره في لقطة أمورس والبعض الآخر يقوم بحيلة خبيثة جداً فيرفض إلقاء جمل الحوار في لقطات الأمورس ، لأنه في أثناء الكلام حركة الصدغ أو هزة الكتف تتيح للمونتير أن يقوم بقطع مريح للقطة فيرفض لكي يجبر المونتير أن يأخذ اللقطة العكسية له ، وللتوضيح ففي أحد المشاهد أحسست كممثل أن المخرج يميل إلى أن يأخد جملة الحوار المهمة التي أقوم بإلقاءها من خلال رد الفعل على الممثل الذي يؤدي أمامي لأن جملة الحوار تستمد قيمتها من خلال رد الفعل هذا ، فيقوم الممثل اللئيم خاصة في اللقطة الأمورس ، يرفض أن يقوم بإلقاء جملة الحوار ، وبالقطع نجد بين المخرجين من هو أكثر ذكاءاً والذي يقوم بعد ذلك بخداع هذا الممثل اللئيم ويقوم بتصويره وحده في حين يقوم بتصوير رد الفعل على الممثل الذي أمامه وحده لكي يأخد صوت الممثل الأول بمصاحبته ، فمونتاج أفلام النجوم الكبار مزعج جداً بالنسبة للمونتير ، خاصة إذا قاموا بوضع شروطهم ، وبدون ذكر أسماء حدثت في مصر مشكلات كثيرة بسبب إصرار بعض النجمات الكبار على حضور تنفيذ عمليات المونتاج وفي رأيي الشخصي أنهم قاموا بتدمير هذه الأفلام .

نقطة أخرى هامة إذا كان الممثل من غير الدارسين ، فلا يعلم حتى مصلحته ، ففي السينما أن أكون ظاهراً على الشاشة أمام الجمهور بدون أن أتمكن من تقديم شيء له قيمة ، فهذا ضد الممثل على طول الخط ، وتوجد لحظات في الأداء يستحيل التعبير عنها مهما كان الممثل موهوب فلا يمكن أن يصل إلى أن يتمكن من ترجمة الانفعال المناسب لضخامة الحدث الذى تم ، فهنا لو أن نجماً كبيراً أصر أن يؤدي الأداء المبالغ فيه المليء بالصوت العالي ، وفي بعض الأحيان نجد من الممثلين عند لحظات الاندماج تبدأ عضلات الوجه تتخدر فيبدأ في نثر رذاذ مقزز جداً ، مهما كانت اللحظة تتميز بالصدق ، ويقع في غرام هذه المبالغات الكثير من الممثلين للأسف ، ولا يعلم أغلبهم أن هذا الأداء يستفز الجمهور ولا يولد الإحساس بالحزن أو قيمة الفجيعة الشديدة ، أما الممثل الدارس فيمكن له بالاتفاق مع المخرج أن يؤدي رد الفعل الرهيب هذا بظهره ، وذلك لأنه توجد انفعالات فجة منظرها بشع جداً ، وكمثال على ذلك اللقطة التقليدية في مصر إذا كانت توجد إمرأة على وشك الوضع أو مريض تجرى له جراحة ، حيث نجد المنتظرين بالخارج في حالة حركة مستمرة ومفتعلة لا تعبر عن الإحساس بالحزن أو القلق الحقيقي أبداً ، ولن أنسى لقطة من فيلم ( رجل وامراة ) حيث قامت الزوجة التي تنتظر خروج زوجها من غرفة العمليات بسند رأسها إلى الحائط وتم تصويرها من ظهرها ، وبالكاد نرى جزء من ملامح وجهها ، ومن شدة انهيارها انزلقت رأسها قليلاً لأسفل على الحائط ، وكم كانت لحظة معبرة عن مدى عذاب هذه الزوجة وقلقها بالرغم من أننا لم نرى ذلك على ملامح وجهها ، أكثر مما لو كانت قد قطعت الممر أمام غرفة العمليات روحة ومجيئاً .

هناك مشكلة أخرى من المشاكل التي تقابل الممثل في المونتاج ، لو كان أسلوب المخرج يعتمد على القطع للداخل والقطع للخارج في نفس اللحظة وكثير من المخرجين يحب أن ينفذ هذا النوع من القطع من نفس الزاوية ، وهذه تعتبر ضرورة لكي لا يغير الزاوية لأنه في حالة القطع للداخل لابد وأن تبقى الكاميرا في الأكس الخاص بها على نقطة التقاء الممثلين بعضهم ببعض ، فلو قام المخرج بتصوير لقطة واسعة ثم قام بالقطع من نفس الزاوية لاثنين من الممثلين من قريب ، قد يصبح هذا مقبولاً في اللقطات الصامتة بعد مراعاة توجيه الممثلين لراكورات الحركة ، لكن في حالات الأداء تصبح من أصعب المواقف التى تواجه الممثل أن يقوم في اللقطة المقربة باستكمال ما بدأه في اللقطة الواسعة والتي غالباً ما يضطر مدير التصوير نتيجة وسعها أن يبقى اللمبات على حدود الكادر في الخارج ، ويقع مهندس الصوت في حيرة أين يضع الميكروفون ، فتوجد عوامل كثيرة تجعل جو اللقطة الواسعة غير مريح فنياً ، إلا في حالة التصوير في ستوديو ، حيث يتمكن مدير التصوير ومهندس الصوت من التحكم في عناصر هذه اللقطة الواسعة بحيث تبدو في أفضل صورة ممكنة ، وعند القطع على اللقطة المقربة يبدأ مدير التصوير في ضبط الإضاءة لأنه في اللقطة الواسعة لا تظهر الملامح وإلى ان يتمكن مدير التصوير من فعل هذا يصبح استئناف الأداء مرة أخرى أمراً مزعجاً بالنسبة للممثل ، لكن تغيير الزاوية يريح الممثل ، ومثل ما أشرت لو أن الممثل قد اهتم بقراءة الديكوباج من البداية سوف يأخذ حذره عند كل لقطة .

عندما عملت مع الروس وفي فيلم ( خيط أبيض .. خيط أسود ) مع الإيطاليين ، لفت انتباهي أن اللقطات التي احتوت على القطع للداخل تم تصويرها باستخدام العدسة الزووم ويقوم المخرج بلفت نظر الممثلين أنه عند إلقاء جملة معينة يجب أن يأخذ الممثل لحظة صمت يقوم المصور خلالها بالدخول زووم إن سريع للحجم المطلوب يقوم الممثلون بعدها باستئناف الأداء ، ويقوم المونتير بعد ذلك في المونتاج بحذف لحظة الصمت هذه ، فيصبح قطعاً للداخل ليس له مثيل ، وهذه إحدى الحيل التي يمكن استخدامها على أمل أن تصبح العلاقة بين المخرج والمونتير أكثر قوة بحيث يلفت نظر المخرج لاستخدام العدسة الزووم في التصوير في حالة القطع للداخل .

ومن الحيل التى نستطيع تنفيذها في مصر قيام الممثل بأداء شخصيتين خصوصاً إذا كانت الشخصيتين أمام بعضهما البعض ، يتبادلان حواراً متلاحق بدون فترات صمت ، وهذه  بالضرورة لابد وأن يقوم المخرج بشرح المطلوب للممثل بعد أن يجلس مع المونتير للاتفاق على الطريقة المثلى لتمثيل وتصوير هذه المشاهد ، وهناك حلاً من اثنين ، إما أن يقوم الممثل بتسجيل حوار الشخصيتين كصوت ثم تتم إعادته بلاي باك مثل تصوير أي أغنية ، ويقوم الممثل بأداء دوره في الشخصية الأولى ثم يقوم مساعد المخرج بإعادة بوبينة الفيلم من البداية لأنه في كاميرات الحيل دائماً ما نبدأ من الزيرو ، حيث يقوم مساعد المخرج بمراقبة عداد الكاميرا ويقوم بتسجيل رقم العداد الذي بدأت عنده أول كلمة ألقتها الشخصية الأولى ورقم العداد الذي ألقت عنده آخر كلمة ، وذلك لأنه عند تصوير الزاوية العكسية ، والكاميرا تظل ثابتة ولابد من الحرص الشديد عند التعامل معها عند تغيير الكاش والكونتر كاش ، حتى لا تهتز ، وتظل ثابتة حتى يقوم الممثل خلال نصف ساعة تقريباً بتغيير الزي والماكياج ، يكون مساعد المخرج قد أعاد الفيلم لنقطة البداية ، ويقوم بإعطاء إشارات متفق عليها إلى الممثل لكي يقوم بالرد على جمل حوار الشخصية الأولى .

وقد خضت هذه التجربة أكثر من مرة ، كانت أنضجها في فيلم ( وصمة عار )

وقد أحببت أن أقوم بتصعيد المسألة إلى أن أجعل إحدى الشخصيتين تقاطع الشخصية الأخرى ، وقد قمنا بتنفيذ ذلك في جملة حوار واحدة لأن كان من الصعب أن أكررها ، ولأن المخرج أ / أشرف فهمي فنان ، وهو المنتج قمنا بتصوير المشهد في ثلاثة أيام وبعد ثلاثة محاولات وصلنا لنتيجة معقولة ، ولكني لدي ملحوظة على هذا المشهد حيث تمت الاستعانة بدوبلير للقطات الأمورس ، لكن نسب رأسه كانت مختلفة عن نسب رأسي ، وقد كان يجب هنا وبالأمر استخدام عدسة كبيرة لكي لا تبدو الملامح واضحة المعالم لكي لا يبدو الفرق بيني وبين الدوبلير واضحاً للمتفرجين .

هنا بالنسبة للراكورات تصبح مسألة بين الممثل وبين نفسه وهذه مسألة صعبة للغاية ، لأنه بالرغم من أنها لقطة واحدة لابد وأن أتمتع كممثل بدراية بتكنيك العمل السينمائي ، وأنا لا أقصد أبداً أن أبدو متعصباً للممثل الأكاديمي ضد الممثل الموهوب بدون دراسة ، لكن توجد أعمال لابد أن يكون الممثل فيها من الدارسين لفن السينما بالذات ، ولا تقتصر دراسته على المسرح فقط ، لكي يتمكن من تنفيذ المطلوب منه في أقل وقت وفي أفضل صورة .

وأحيانا ما ينزعج الممثل الجديد الذي لا يتمتع بالخبرة أو المسرحي المعتاد على التدفق في الأداء ، عندما نطلب تصويره في لقطة مقربة وحده لأنه يفتقد التواصل الإنساني ويعتبر أنه يمثل مع جماد ألا وهو الكاميرا فلكي يتعامل مع هذا الجماد ويتخيله حبيبة جميلة أو عدو غادر ويتمكن من الانفعال لكي يبدو طبيعياً عند تركيب اللقطات ، وهنا بالضرورة لابد وأن يقوم بإجراء دفاعي يسمى باللقطة الدفاعية للممثل الآخر بحيث لا يترك الممثل الذى لا يستطيع إشباع اللقطة المقربة فترة طويلة فيتحول إلى عنصر سخيف يمل منه الجمهور ، وبما أن الفيلم يتم تصويره ثم يتم تنفيذ المونتاج بعد ذلك ، فلا يتبقى وقت لاستدراك ما فات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه .

إذا كان هناك تباين بين الأسلوب الذي يتبعه الممثل في الأداء وبين الأسلوب الذي حدده المخرج للعمل ، ينتج عن ذلك مشاكل كثيرة ، وسوف أضرب لكم مثالاً بالممثل العالمي مارلون براندو ، وهو واحد من أكثر الممثلين الذين كان لهم أكبر الأثر في حياتي العملية كممثل ، إلا أنه اداءه للانفعالات لا يرقى للأساليب الحرفية في الأداء ، فانفعالاته ضنينة ، ولذلك نجده يمثل تحت الحد الأدنى للأداء المطلوب منه ، بالإضافة إلى فترات صمته المخيفة والتي قد نعزوها إلى ضعف ذاكرته لأسباب صحية ، والتي يستغلها في تذكر بقية الحوار ، وأشهر مونولوج له في فيلم ( آخر تانجو في باريس ) اضطروا إلى كتابة الحوار أمامه على سبورة ، وقد حكى مارلون براندو عن اللحظة الوحيدة التي شعر فيها بمدى كراهية المخرج لشخصه عندما تحداه مخرج الفيلم على أساس شهرته كممثل ، بأن قام بكتابة هذا المونولوج عن علاقته بزوجته في لقطة مقربة ، وتركه لكي يقوم بأداءه ، لأن هذه اللقطة المقربة كانت من أصعب اللقطات جدا ، وكل ما استطاع مارلون براندو أن يفعله اعتماداً على المنهج العلمي الذي تلقاه في ستوديو الممثل الذي أسسه إيليا كازان ولي ستراسبورج ، هو أن قام بمسح العرق الذي تكون على وجهه حيث كانت يده مستندة إليه في نفس الوقت الذي كان يتكلم فيه جالساً على السرير ، وأكمل الحوار بعد ذلك ، وكانت هذه اللقطة نموذجاً للقطة مقربة صعبة جداً تعرض لها ممثل من أعتى الممثلين في تاريخ التمثيل السينمائي ، وقد ذكر أنه قام بإعادتها أكثر من مرة إلى أن ضبطها ، وكانت هذه اللقطة العبقرية الجميلة .

لكن بالنسبة إلى مارلون براندو كأسلوب في الأداء التمثيلي ، وهذا يعود بنا إلى علاقة المخرج بالمونتير ، فلو تخيلنا مارلون براندو ممثلاً في أحد أفلام المخرج أ / محمد خان لوجدنا أسوا ممثل في العالم ، لأن أداءه أقل من المطلوب وفترات صمته كما سبق وأن أشرت طويلة ، فلو تم تصويره في لقطات واسعة كتلك التى يهواها أ / محمد خان ، لتحول إلى ممثل لا طعم له ولا لون ، لكن الحقيقة أن ما يستهوي المشاهدين في أداء مارلون براندو ، ويمنحهم هذا التأثير القوي كدوره في فيلم ( الأب الروحي ) أنه يعرف كيف ينفذ بيزينيس الممثل بشكل مبهر وجميل يمنح الكرامة والقوة لهذه الشخصية القوية للأب الروحي الجبار الذي يخشاه أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ، فلو تم تصوير هذه اللقطة العبقرية لمارلون براندو في لقطة واسعة ، لو أصر المخرج على ذلك لأنه يميل لخلق تكوين معين ، وطلب من الممثل الذى اعتاد على التمثيل بأداء معين لعمر طويل أن يغير من أسلوب أداءه ، لكي يصبح أسرع من الممكن أن يقوم بتدمير مثل هذا الممثل .

ومثال لأحد الممثلين المصريين الفنان أ / عادل أدهم الذي يعاني من نفس العيب الذى يعاني منه مارلون براندو ، فلو تم تصويره في لقطات واسعة وهو يقوم بأداء جمل حوارية كثيرة مع ممثل آخر فسيبدو الإيقاع سيء جداً ، برغم عبقرية أ / عادل أدهم النابعة من تمتعه بدفء داخلي وحضور في الملامح وقوة في أسلوب الأداء لكنه لا يبدو إلا في اللقطة المقربة ، فإذا تعرض المونتير لتجربة فيلم وعرف أن مشاهده تحتوي على جمل حوارية كثيرة ، وأن ممثل مثل أ / عادل أدهم هو الذى سيقوم بأداء الشخصية ، فبخبرة السوق ومن خلال مراقبته لأسلوب أداء الممثل ، لابد وأن يلفت نظر المخرج لهذه النقطة ، لأنه بمجرد تصوير تلك المشاهد ، سوف يصبح من الصعب إصلاح أي أخطاء ارتكبها الممثل ، وهذه نقطة مهمة جداً أن يحرص المونتير على أن يراقب عن وعي الأفلام التى يتم عرضها في السوق ويبحث عن العيوب قبل المميزات فيما يتعلق بأداء الممثلين ويقوم بتدوين هذه الملاحظات لكي تفيده في تنبيه المخرج لها عند الحاجة .

فيما يتعلق باللقطة المقربة فلها طقوس كثيرة لكي تبدو طبيعية وفي أغلب أفلامنا نجد اللقطة المقربة تظهر فجأة كأنها منفصلة تماماً عما قبلها وما بعدها ، وخصوصاً إذا كانت لإحدى النجمات ، فنجد فجأة وجهها وقد امتلأ حيوية كانت قد اختفت في اللقطة الواسعة ، لأن المخرج ومدير التصوير اهتما بإظهار جمال هذه النجمة في هذه اللقطة ، فلو كانت هذه النجمة غير محترفة ، عكس الفنانة أ / فاتن حمامه التي أعتبرها في رأيي أنها الممثلة الوحيدة القادرة على أداء اللقطة المقربة بشكل محترف في مصر ، ونادراً ما نكتشف ارتكابها لأخطاء في اللقطات المقربة ، حتى لو ارتكبت بعض الأخطاء النظرية النقدية ، كدخول أحد أصابعها في الكادر ، والتي ترتكبها نتيجة منتهى الصدق في الأداء كما في أفلام مثل ( الخيط الرفيع ) أو ( أريد حلاً )

ففي بعض الأحيان ولكي تساعد نفسها على الأداء تقوم بتحريك يديها ، لكن هذا لا يؤثر أبداً على قدر التناغم التي تحققه في اللقطة المقربة وعلاقتها باللقطة المتوسطة التى تسبقها واللقطة المتوسطة التى تليها ، فهي تتمتع بقدر عال جداً من الحرفية ، على عكس بعض الممثلين الذين لا يتمتعون بهذه القدرة برغم تمتعهم بالموهبة ، وهنا تكمن الخطورة والحل العملي هنا هو الحل الأمريكي ، والذي يتلخص في تصوير المشهد كله من أكثر من زاوية لكي أتيح الفرصة أمام الممثل لكي يتدفق كما في الأداء المسرحي .

ولنتحدث عن الأفلام الكوميدية في مصر ، والتي تعاني من مشكلة كبيرة هي أنها منذ بداياتها تعتمد على الممثل الكوميدي المسرحي ، الذي يتمتع بالمسرح بفرصة غير متوفرة بالسينما ، تنتج عن تواصله الحي بالجمهور فنجده وقد فوجيء بضحك الجمهور في الأيام الأولى للعرض المسرحي على جملة لم يتوقعها في أثناء البروفات برغم خبرته ، ولديه أيضاً مناطق الضحك التقليدية التي يعلمها قبل بدء العرض ، هذه الفرصة هي انتظاره إلى أن ينتهي الجمهور من الضحك لكي يكمل حواره ، ولأن ممثلي الكوميديا المسرحيين هم من بدأ العمل بالسينما الكوميدية مثل الفنان أ / نجيب الريحاني رغم إعجابي الشديد به وورؤيتي له كواحد من أعظم الممثلين على مستوى العالم ، وكمثال عارض أحب أن أذكره للدلالة على عبقريته في الأداء ، الفرق بين تناوله لأداء شخصيتين مختلفتين في فيلم ( سي عمر ) ، وبين تناول الفنانة سعاد حسني لأداء شخصيتين مختلفتين في فيلم ( نادية ) ، وبرغم الفارق الزمني الكبير بين الفيلمين ، نجد أن سعاد حسني في ظل التطور الذي حدث بمرور الزمن استعانت بصوت مستعار لأداء شخصية منى أخت نادية ، فظهر الأداء مفتعلاً جداً ومبالغاً فيه لأقصى درجة ، رغم عبقرية أ / وديد سري في فنون الحيل السينمائية ، وعلى الجانب الآخر نجد أن أ / نجيب الريحاني لم يرتكب الخطأ الشائع الذي يرتكبه معظم الممثلين عندما يحاولون تقديم فروق واضحة جداً بين الشخصيتين المختلفتين فيبدو الأداء مبالغاً فيه كما ذكرت ، واكتفى بعبقرية شديدة بإظهار الفروق المحسوبة بدقة في الثقافة والمكانة الإجتماعية بين شخصية الرجل الغني والرجل البسيط ، فنجد أن أسلوب كلام الإنسان البسيط الذي ينتمي إلى الطبقة الدنيا اعتمد على كثرة الإشارة باليدين ، في حين اختلف أداءه لشخصية الرجل الغني برغم استخدامه لنفس طبقة صوته الطبيعية ، واكتفى بتهذيب حركاته وسكناته ، وتبدو عبقرية أ / نجيب الريحاني بالمقارنة بممثل آخر يبالغ في الأداء الحركي لشخصية الرجل الغني فيبدو كما لو كان محدث نعمة ، وأسلوب أداء أ / نجيب الريحاني لم يتكرر حتى في السينما العالمية إلا على يد الممثل العالمي بيتر سيلرز ، والذي ينتمي إلى نفس مدرسة أ / نجيب الريحاني في الأداء الكوميدي الطبيعي والعبقري ، والذي لا يعتمد على القيام بحركات مسفة أو إلقاء ألفاظ فجة ، بل يتم إلقاء حتى النكات اللفظية بشكل بسيط وطبيعي .

وعودة للأفلام الكوميدية في مصر ، نجد أن معظم الأفلام الكوميدية القديمة تتضمن لقطات عامة شبه مسرحية ، ولا يلجأون إلى استخدام اللقطات المقربة إلا على سبيل الخطأ ، ومع تطور هذه الأفلام ، واجهتها مشكلة افتقاد الممثل الكوميدي المسرحي إلى ما اعتاد عليه من الاستماع لضحك الجمهور قبل أن يكمل أداءه ، وفي السينما يظهر هنا دور المونتير ومن قبله دور كاتب السيناريو ودور المخرج ، في احتساب استجابة الجمهور بالضحك للجملة التي يقوم بإلقاءها الممثل ، لكي يقوم بحساب فترات الراحة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار بدون التأثير بالسلب على إيقاع الفيلم ككل ، هذا الدور يلعبه الممثل على خشبة المسرح بمفرده حيث يقوم باستكمال أداءه إذا لم يجد الاستجابة التي يرجوها من الجماهير ، ولذلك يجب وضع خطة مدروسة بعناية عند الإعداد لكتابة سيناريو فيلم كوميدي وإخراجه ومونتاجه ، لكي لا يقع الفيلم في مطب ممل وسخيف ، إذا أخطأ المخرج في توقع استجابة الجمهور على جملة معينة وقام ببناء المشهد يتضمن على لقطات الراحة التي أشرت إليها على اعتبار أن الجمهور مشغول بالضحك على هذه الجملة ، ولم تلقى هذه الحملة الاستجابة المرجوة ، ومونتاج هذه الأفلام من أصعب أنواع المونتاج التي يمكن أن تقابل المونتير ، وعلى الممثل الكوميدي أن يكون واعياً لهذه النقطة ، كما يجب على كاتب السيناريو والحوار ألا يترك فترات الصمت تغلب إلى الدرجة التي تؤدي لتدمير الفيلم بالكامل ، بل يجب عليه أن يقوم بملأ فراغ فترات الصمت هذه بحوار لطيف كحيلة دفاعية تحمي المشهد إذا لم تحقق استجابة الجمهور المرجوة ، ويجب على الممثل أن يراعي ترك مساحة من الوقت الذي يسمح باستيعاب ضحك الجمهور قبل أن يأتي برد فعل على الجملة التي تسببت في ضحك الجمهور ، وأذكر على سبيل المثال أنه في فيلم ( دائرة الانتقام ) في المشهد الذي أعتقد فيه أن من يركب إحدى السيارات هو نفسه الشخص الذي قام بدوره الفنان أ / إبراهيم خان ، فتخرج الفتاة التي ترافقه في السيارة قائلة ( فيه إيه يا حماده ) ففوجئنا بالجماهير تستجيب بالضحك على هذا المشهد بشكل لم نتوقعه إطلاقاً عند تصويره ، وبرغم أن هذا الفيلم لا يمكن تصنيفه كوميدياً إلا أنني أذكره لتوضيح هذه النقطة .

ولي تجربتين أعتز بهما في الأفلام الكوميدية مع أ / سمير سيف في فيلم ( غريب في بيتي )

وفيلم ( شوارع من نار ) ، وبرغم أن هذا الأخير نطلق عليه مجازاً أنه فيلما كوميدياً ، لكني أعتبر أحد مشاهد هذا الفيلم درس في الدور الذي يلعبه المونتاج والإخراج في صنع الضحك لدى المتلقي ، المشهد الذي يشاهد فيه بطل الفيلم البسيط الساذج فيلم ( ليلى ) في السينما ، وفي المشهد الذي تموت فيه ليلى مراد يبدأ في التأثر وتبدو الدموع في عينيه ، ثم يقطع المخرج على فترة طويلة من فيلم ( ليلى ) ثم يقطع مرة أخرى على بطل الفيلم وهو مطأطيء الرأس ويهتز بدون أن يصدر عنه صوت ، ثم يعيد القطع مرة أخرى على الفيلم ثم يقطع على البطل وهو يرفع رأسه وينفجر في البكاء ، فلا تتخيلوا كم الضحك الذي أصاب المشاهدين بعد هذا المشهد ، وهذا ما عنيته من أن المخرج يستطيع بالتعاون مع المونتير من صنع لحظة كوميدية من ممثل غير كوميدي ، فلم أفعل شيئاً سوى تمثيل اللحظة بصدق كما شرحها لي المخرج وتولى هو بالاشتراك مع المونتير باقي المهمة .

هناك نقطة أخرى هامة جداً ، تتعلق بالتصوير الخارجي بدون تسجيل صوت ، وهو مشكلة يعاني منها مساعد المخرج الأول ومساعد المونتير ، وقد تم اللجوء إلى تصوير الأفلام بكاميرات صغيرة نتيجة وجود أزمة في السينما ، ويتم تنفيذ الفيلم كله بطريقة الدوبلاج ، وكانت مسؤلية تلقين الممثل ملقاة على عاتق مساعد المخرج ، وذلك لعدم توافر الوقت الذي يتمكن الممثل فيه من حفظ دوره ، وعلى الرغم من أن بعض المخرجين يقوم عن قصد بالتصوير بدون صوت ، لكي يتمكن من إخراج شريط صوت على مستوى عال من الجودة بأسلوب الدوبلاج ، إلا أن هذا الأسلوب يعيبه استسهال بعض الممثلين قيام مساعد المخرج بتلقينه ، وتكون النتيجة تدمير شامل للإيقاع ، ويتحول الممثل إلى شخص يقوم بترديد الحوار بدون روح ، وأنا أميل إلى ضرورة توجيه المخرج للممثلين لكي يقوموا بحفظ أدوارهم عند تصوير المشاهد بدون صوت ، وإلا نفقد الأمل في الحفاظ على إيقاع الفيلم ، وذلك بسبب وجود فجوة بين جمل الحوار يملأها صوت مساعد المخرج عند تلقين الممثلين ، ولا تكتشف هذه الفجوة إلا عند تنفيذ الدوبلاج ، حيث لا نتمكن من التدفق الطبيعي في الأداء ، وقد وقعت في هذا الخطأ كثيراً في بداية حياتي العملية ، وبعدها قررت أن أصر على حفظ دوري وأن يقوم الممثل الذي يشاركني الأداء بحفظ دوره أيضاً في حالة التصوير الخارجي بدون صوت ، وإلا أمتنع عن التصوير من الأساس .

وهناك أوقات يقوم فيها الممثل بالتمثيل في ظل ظروف تصوير صعبة ، كأن نقوم بتصوير أحد المشاهد فوق سطح مركب لفترة محددة طبقاً لتصاريح التصوير الممنوحة لفريق العمل ، فقد لا يتمكن الممثل من حفظ دوره بسبب ضيق الوقت ، وهنا تظهر أهمية الاستفادة من خبرة أساتذة التمثيل الكبار ، التي تقتضي ألا يقوم الممثل بحركة شفاه صحيحة تماماً عند تلقين مساعد المخرج ، مع محاولة إخفاء شفتيه قدر الإمكان ، وقد كان أكثر الممثلين خبرة في هذه النقطة أ / محمود المليجي الذي أتقن هذه الحيلة تماماً واستخدمها إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الظروف الطارئة .

 ويحضرني هنا واقعة ذكرها لي الفنان أ / عماد حمدي في فيلم ( بين الأطلال ) للمخرج أ / عز الدين ذو الفقار ، الذي أراد أن يخلق تكويناً جمالياً لمشهد غروب الشمس ، فظل يعيد المشهد لمدة ثلاثة أيام متتالية فما كان من الفنان أ / عماد حمدي في اليوم الأخير إلا أن راح أثناء تصوير المشهد يلعن الظروف التي جعلته يعاني قسوة السير على الرمال لمدة ثلاثة أيام متتالية ، ويستمر أ / عماد حمدي في سرد هذه الواقعة ليقول أنه هو نفسه تأثر عند مشاهدته هذا المشهد لدرجة أنه لم يستطع أن يحبس دموعه ، بالرغم من سابق اعتراضه على جمل الحوار التي ألقاها لكي تصاحب المشهد ، فالمشهد الذي اشترك في خلقه مخرج جيد مع مونتير حساس من خلال مزج عناصر الصورة مع جودة الإلقاء الصوتي أعطت تعبيراً عن اللحظة يفوق كل وصف .

نقطة أخرى متعلقة بالصوت عند التصويرالخارجي بدون صوت باستخدام كاميرا محركها غير ثابت أو متعدد السرعات ، ويقوم الماشينيست بتعديل السرعة برفعها عندما تقل أو بخفضها عندما تزيد ، بحيث تصل إلى أربعة وعشرون كادر في الثانية ، وهذه النقطة من أبشع ما تعرضت له في حياتي المهنية ، لأنني كممثل لي أسلوبي في الأداء وأعلم تماماً فترات الصمت التي أحتاج إليها ، وأفاجأ أثناء الدوبلاج أن أدائي مختلف عما أديته فعلاً ، لتغير سرعة الكاميرا ، ويا ليتنا نقتصر في استعمال هذا النوع من آلات التصوير على تصوير المشاهد التي تحتاج فعلاً لتغيير سرعة الكاميرا كمشاهد المشاجرات مثلاً .

هناك نقطة أخرى تتعلق بأداء بعض الشخصيات التي تتميز بلزمة حركية معينة كدوري في فيلم ( العار )

فالممثل قد يأتي إلى التصوير مرهق أو متوتر فيقوم لا شعورياً بأداء اللزمة الحركية بشكل مبالغ فيه ، ولا تبدو خطورة هذا إلا عند تركيب المشاهد في المونتاج ، حيث نفاجأ بالممثل وقد قام بتكرار هذه اللزمة في أحد المشاهد أكثر من عشرين مرة ، وفي مشهد آخر لم يقم بها على الإطلاق ، وهذه مسئولية مساعد المخرج أن يلفت نتباه الممثل إلى الأسلوب الأمثل لأداء هذه اللزمة بالشكل المناسب ويجب لفت انتباهه أيضاً لعدم أداءها في نهاية لقطة ، لكي لا تجبر المونتير على الاستمرار في هذه اللقطة لكي لا يتسبب قطعها في إحداث صدمة للمشاهد مع بداية اللقطة التي تليها .

من المشاهد التي يجب أن ينتبه إليها الممثل جداً والتي قد تسبب مشكلة للمونتير مشاهد تناول الطعام وتدخين السجائر ، وفي أغلب الأحيان يفضل كثير من المخرجين إلغاء مشاهد تدخين السجائر ، لصعوبة ضبطها إذا لم يكن الممثل قد قام بتحضير ترتيب استخدام السيجارة بالنسبة لكل لقطة من لقطات المشهد ككل ، حيث نجد أن السيجارة في بداية المشهد قصيرة ، ثم نجدها فجأة وقد أصبحت طويلة ، وهي مسئولية الممثل مائة بالمائة إن أحب استخدام السجائر ، ونفس الشيء بالنسبة لتناول الطعام ، وهو ما سبق وأن أشرت إليه بما يطلق عليه بيزينيس الممثل ، وهذه النوعية من المشاهد تحتاج إلى إصرار المخرج على القيام بتدريب طويل أثناء البروفة ، إلى أن يتمكن الممثلون من ضبط إيقاعها أثناء التصوير ، وذلك لأنها تعطي تأثيراً حيوياً على إيقاع اللقطات .

أود أن أذكر أيضاً تجربة لي متعلقة بالتمثيل بشكل مباشر وبإيقاع الفيلم بشكل غير مباشر ، وفي فيلم ( الهلفوت ) للمخرج أ / سمير سيف والذي قام ببطولته أ / عادل إمام ، وبرغم أنه قام بأداء جميل ، إلا أنني أرى وقوع المخرج وكاتب الحوار في خطأ جسيم من ناحية بناء الحوار لهذه الشخصية غير السوية التي لا تستطيع نطق الحروف ناهيكم عن التمكن من التلفظ بجمل حوارية طويلة جداً ، فكان لابد من البداية أن يتفق المخرج وكاتب الحوار أن يختزل الحوار المكتوب لهذه الشخصية التي لا تستطيع النطق بشكل طبيعي لكي أتيح الفرصة أمام الممثل لكي يقوم بأداء دوره بالشكل المناسب .

وقد أتيحت أمامي فرصة شبيهة في فيلم ( صراع الأحفاد )

واستفدت من تجربة فيلم ( الهلفوت ) في اختزال كم كبير من الحوار الذي تمت كتابته للشخصية ، وقمت بحيلة أثناء تصوير المشاهد الانفعالية بزيادة سرعة الإيقاع اعتماداً على أن الجمهور لن يتمكن من الانتباه إلى أدائي خلالها ، بهدف ضبط إيقاع المشاهد .

آخر نقطة سوف أتحدث عنها والتي تتطلب من الممثل أن يكون على دراية تامة بالمونتاج وبالإخراج ، متعلقة بالمشاهد التي يتم تصويرها داخل سيارة متحركة ، وبرغم عدم توفر الإمكانيات التي توجد بالسينما الأوروبية والأمريكية ، إذ توجد سيارات مجهزة لتصوير هذه النوعية من المشاهد ، مرتبطة بسيارة أخرى تحمل الكاميرا ويتمكن المخرج من خلالها من متابعة الأداء ، وبسبب صعوبة تصوير هذه المشاهد خاصة مع غياب الإمكانيات يجب على الممثل أن يكون على دراية بالمونتاج ، وإلا يجب أن يتلقى توجيهاً مباشراً من المخرج بكل لفته وبكل إيماءة تصدر عنه ، حتى لا يتسبب في مشكلة أثناء تنفيذ المونتاج .

أحد طلبة القسم :

        كيف تحافظ على الحالة المزاجية الخاصة باداء إحدى الشخصيات في فيلم ما مع المحافظة على حالة مزاجية لشخصية أخرى تقوم بأداءها في فيلم آخر في نفس الوقت ؟

أ / نور الشريف :

        أود أن أشكرك على هذا السؤال ، والحقيقة أنني لم أقم بالعمل في فيلمين في وقت واحد منذ فترة طويلة تقارب العشرة سنوات ، لكن أحياناً تضطرني الظروف الإنتاجية لتصوير أمري شغل في فيلمين مختلفين في نفس الوقت ، عندما أشترك في أحد الأفلام المحدد انتهاء التصوير فيه بعد مرور ستة أسابيع ، إلا أن الظروف الإنتاجية تضطر المخرج إلى إيقاف التصوير بعد ثلاثة أسابيع ، في نفس الوقت الذي أرتبط فيع بالعمل في فيلم آخر بعد انتهاء الستة أسابيع المحددة للفيلم الأول ، ثم يستأنف العمل في الفيلم الأول ويرجوني منتج الفيلم استكمال العمل ، فأضطر إلى العمل في الفيلمين في وقت واحد ، وبصراحة شديدة أقوم بالتضحية بأحدهما في سبيل إنقاذ الآخر ، فأعطي الجانب الأكبر من مجهودي للعمل الذي يستهويني كممثل أكثر في حين أقوم بأداء العمل الآخر باستخدام الجانب الحرفي ، وذلك لأن القدرة العصبية للمثل لها حدود ، وهذه إحدى نظريات الأداء المسرحي لا يفهمها الكثيرون ، جان لوي بارو أحد عباقرة المسرح حتى على مستوى السيرة الشخصية له لأنه يتيم وأعرج ويعاني من الثأثأة في كثير من الحروف ، وقضى فترة طفولته في أحد الملاجيء ، وتعرض لسخرية أقرانه ، فلكي يتحول هذا الإنسان إلى أحد رواد المسرح في العالم وأن يقوم بأداء دور هاملت في المسرحية العالمية وهو القزم لكن بعبقريته كمخرج وكممثل دارس أن يتفق مع مهندس الديكور أن يجعل الديكورات التي إلى جواره أطول منه قليلاً فتضفي عليه مزيداً من طول القامة ، لأنه لو التزم بالنسب الحقيقية للديكورات لأظهر ذلك قصر قامته ، وهو بهذا يعتبر نموذج لأحد الفنانين الدارسين ، ويوضح لكم هذا أهمية الدراسة للفنان ، وأذكر أن كنت أغضب من بعض زملائي أثناء الدراسة لاستخفافهم بالدراسة بالمعهد ، لأن الحقيقة أننا استفدنا الكثير والكثير من الدراسة بالمعهد ، وأي منكم يستطيع أن ينهل الكثير بشرط أن يكون لديه رغبة حقيقية في المعرفة ، فالفنان جان لوي بارو قام بتنفيذ جزء من تجربته وقد أسماها التكملة الرياضية ، والتي تتلخص في أنه يوجد من الممثلين المسرحيين ممن يستهلون حياتهم العملية وتملأهم الرغبة في إثبات الذات بشكل كبير ، فيقوم باستهلاك جزء كبير جداً من طاقته في الفصل الأول من المسرحية ، ويؤثر ذلك على أداءه بالسلب في الفصل الثاني ، وفي الوقت الذي يبدأ فيه الفصل الثالث يكون قد استنفذ طاقته بكاملها ، وهنا يأتي الدور الهام التي تلعبه الحرفة ، فقال جان لوي بارو أنه يجب على الممثل بالإضافة إلى كل التدريبات التي يتلقاها والخاصة باليوجا وتنظيم التنفس والرياضة البدنية والإلقاء ، يجب عليه أن يقوم بوضع خطة محددة لتوزيع طاقته الإبداعية خلال العرض المسرحي الذي يتم بشكل يومي ، وذلك بتوجيه الجانب الأكبر من هذه الطاقة إلى المشهد أو المجموعة المحددة من المشاهد التي تؤثر في البناء الدرامي للعمل ، لكي يستطيع الممثل أن يصل إلى نهاية الفصل الثالث وهو ما زال لديه فائض من طاقته تسمح بإنهاء العمل بالإيقاع السليم ، وعلى هذا الأساس إن اضطرتني الظروف الإنتاجية للعمل في عملين في نفس الوقت أختار منهما المحبب أكثر إلى وجداني كممثل وأتفانى في أداءه على حساب العمل الآخر الذي يشغل في وجداني مساحة اقل من الاهتمام ، والذي أقوم بالأداء فيه باستغلال الحرفة التي اكتسبتها من خلال الدراسة والتجربة العملية الطويلة التي مررت بها .

        وسوف أخبركم بمثال عن تجربة أعتبرها من أغرب التجارب التي مررت بها في حياتي ، دور إبراهيم عبد الله في مسلسل ( أديب ) من أحب الأدوار التي لعبتها إلى نفسي ، لأنها تجربة أداء تكمن صعوبتها على مستوى اللغة ، وبرغم قيامي بماكياج خاص يميز الشخصية كالحواجب الكثيفة وآثار الجدري بالوجه ، بالإضافة إلى الظهر الأحدب ، إلا أن كل ذلك يظل ضمن إطار الشكل الخارجي للشخصية ، لكن الحوار كان مزيج بين اللغة العربية الفصحى والعامية المصرية والشعر بالعربية الفصحى والزجل بالعامية المصرية ، وقد بادرني صديقي وزميلي الفنان أ / صلاح السعدني بالاستفسار عن الأسلوب الذي أنوي اتباعه في أداء هذه الشخصية ، ولم أكن أعلم وقتها لأن المسألة استلزمت مني القيام بتدريبات كثيرة لكي أمد الجسور بين العربية الفصحى والعامية المصرية ، ولكي أتمكن من التنقل بينهما على اختلاف طبيعة كل منهما ، والتنقل بين الشعر والزجل بدون أن أصيب أذن المتلقي بشيء ولو ضئيل من النشاز ، هذه التجربة استهلكتني تماماً ، ولن تتخيلوا أنني كنت أنتهي من أداء دوري في مسلسل ( أديب ) في العاشرة مساءاً ، لكي أنتقل إلى ستوديو نحاس لأداء دوري في فيلم ( غريب في بيتي ) في نفس الوقت ، وقد اعتبرت فيلم ( غريب في بيتي ) بمثابة نزهة أقضيها للتخلص من الضغط العصبي الملقى على عاتقي بسبب الطرح الفلسفي لمسلسل ( أديب ) ، والذي يتلخص في تساؤل يدور حول أيهما أهون الظلم أم الكذب ؟ ولكم أن تتخيلوا كم العبء الذي شعرت به حتى أتمكن من توصيل مضمون هذه الفكرة إلى المتلقي العادي الذي اعتاد مشاهدة المسلسلات العادية أو التي تخلو من مضمون حقيقي ، هذا العبء هو الذي دفعني لاتخاذ دوري في فيلم ( غريب في بيتي ) فرصة للهو عن قصد لكي أريح أعصابي المرهقة وكم التوتر النفسي الذي أصبت به من العمل في المسلسل .

د / منى الصبان :

        كيف وصلت إلى هذه الدراية الكاملة بالمونتاج ؟

أ / نور الشريف :

        الحقيقة أن الفضل الأول في ذلك أعزوه إلى حبي للقراءة منذ نعومة أظفاري ، وأستطيع أن أزعم أن اسمي مكتوب في جميع الكتب التي ترجمت عن المسرح والسينما والتي قمت بقراءتها في دار الكتب ، لأن المخرج بالتليفزيون ، والذي كان أستاذي في مادة التربية البدنية في المدرسة الإعدادية ، وكان طالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية وقتها وكان يقوم بتدريبنا في فريق التمثيل بالمدرسة ، فسألته عن الدراسة بالمعهد ، وبرغم تعجبه من سؤالي لصغر سني وقتها حيث كنت ما زلت بالصف الأول الإعدادي ، فبدأ يدلنا أنا وأحد زملائي من المهتمين بالمسرح إلى الكتب التي نستطيع الاستفادة منها والموجودة بدار الكتب ، وفي المرحلة الثانوية التحقت للعمل ككومبارس بمسرح التليفزيون ، وكنا نتقاضى خمسون قرشاً في البروفة وجنيه واحد في كل ليلة عرض ، وكانت لدى وزارة الثقافة في ذلك الوقت خطة قومية لنشر الثقافة ، والمكتبة التي استطعت تكوينها خلال هذه الفترة والتي أعتز بها جداً كانت تحتوي على كتب أغلاها ثمناً لم يتعدى العشرون قرشاً ، والمسرحية الكاملة كان سعرها خمسة قروش ، فتمكنت من جمع وقراءة سلسلة المسرح العالمي بكاملها بدون تكلفة تذكر ، فالفضل يعود للأساتذة الذين قاموا بتوجيهي لقراءة هذه الترجمات عن السينما والمسرح قبل التحاقي بالمعهد ، حيث بدأت بالبحث عن الجديد فيما وراء المقررات الدراسية التي اعتبرت نفسي قد درستها قبل التحاقي بالمعهد ، والمشكلة في معاهدنا الفنية أن أغلب المتقدمين للالتحاق بها من الحاصلين على مجموع صغير في الثانوية العامة والذين يلجأون في نفس الوقت للوساطة للالتحاق بهذه المعاهد ، وأنا شخصياً أتلقى سنوياُ مئات المكالمات لمن يتوسطون لهؤلاء للالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، لكن الحقيقة أن الأولى بالاحتضان هو من لديه الرغبة الحقيقية للمضي في هذا الطريق الصعب والطويل ، وقد فكرت في وقت من الأوقات في إنشاء معهداً خاصاً للتمثيل ، وحال دون ذلك افتقاري للإمكانيات المادية ، وقد نبعت رغبتي تلك لإيماني بوجود فقد هائل في الوقت والمجهود في الأعمال الفنية في مصر يرجع لعدم دراية الممثل لأبسط قواعد الحرفة ، فمن الممثلين من لا يتمكن من الوقوف أمام الكاميرا من وضع الجلوس استجابة لتعليمات المخرج بالشكل الصحيح ، برغم تخرجه في أحد المعاهد الفنية ، كأن يقوم ويواجه الكاميرا برأسه بحيث يبدو بشعاً إذا كانت اللقطة مقربة ، أما الممثل الذي يعي متطلبات الحرفة فيعرف تماماً أنه لابد وأن يعد للوقوف بدءاً من لحظة جلوسه بأن يقوم بتقديم إحدى قدميه إلى الأمام وتأخير الأخرى إلى الوراء ، لكي يتمكن من الانتصاب واقفاً بشكل مستقيم ، كل هذا موجود في الكتب كدراسة عملية لحركة الممثل ، وقد تمنيت أن أتمكن من افتتاح معهداً خاصاً على غرار ستوديو الممثل بالولايات المتحدة الأمريكية ، والذي قام بتأسيسه إيليا كازان ولي ستراسبورج ، فالمخرج الذي يبحث عن أحد الوجوه الجديدة يذهب إلى ستوديو الممثل لكي يبحث عمن يلائم الشكل الخارجي للدور فقط ، لأن مجرد قبوله للالتحاق بستوديو الممثل للدراسة يضمن للمخرج أن هذا الشخص ممثل محترف ويستطيع أن يؤدي الدور .

        وقد حلمت بتطبيق هذا في مصر من خلال قبول أربعة أفراد فقط للدراسة بهذا المعهد على أساس دراسة واعية لاحتياجات سوق العمل ، حتى ولو كان في ذلك ظلماً للآخرين ، وأقوم بإعدادهم للعمل لتلبية احتياجات سوق العمل من المرحلة العمرية الشابة بشكل خاص لتعويض النقص الذي يحدثه انتقال النجوم الذين يعملون بالفعل إلى مراحل عمرية أكبر .

        وهدف آخر أردت تحقيقه من إنشاء هذا المعهد ، أن أقضي على مقولة لا ينفك يرددها مخرجو الأعمال السينمائية عند تعاملهم مع الممثلين من خريجي المعهد أن يتناسوا ما قد تعلموه بالمعهد على أساس أنه لا يصلح للتطبيق العملي ، فالحقيقة أنه صالح تماماً لهذا إلا أن هؤلاء الخريجين لم يجدوا من يقوم بتوجيههم إلى القواعد الصحيحة للحرفة ، ومن يقوم بتوصيل نتاج التجربة العملية إليهم ، بل اكتفوا بتلقينهم الأسس النظرية المدونة بالكتب .

أحد طلبة القسم :

        بالنسبة للتجربة التي خضتها بالاشتراك مع الفنانين الإيطاليين في فيلم ( خيط أبيض .. خيط أسود ) عن القضية الفلسطينية والتي تمت سرقة نيجاتيف العمل بها في روما ، هل ليمكن ان يقوم المنتج بإعادة تصويرها مرة أخرى ، خاصة أننا سمعنا أن تصويره قد تم في الأرض المحتلة ؟

أ / نور الشريف :

        من الممكن إعادة تصوير العمل ، والحقيقة أنه قد تم تصويره بالمغرب ، في تجربة ساحرة تم خلالها بناء نموذج لجزء من المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ، وهذه فرصة لكي أتحدث عن الفرق في تطور السينما بيننا وبينهم ، فإذا أردنا بناء مدخل فيللا كجزء من الديكور يقوم مهندس الديكور ببناء الدرج المؤدي إلى باب الفيللا من الخشب الذي يتم رسمه بشكل يوحي للمشاهد أنه مصنوع من الرخام ، لكن عند تسجيل الصوت المباشر لخطوات أحد الممثلين على هذا الدرج نفاجأ بفجوة بين الصوت الصادر عن وقع أقدام الممثل على الخشب والصورة التي توحي أنه يخطو خطواته فوق الرخام ، أما بالنسبة للإيطاليين عندما أرادوا تنفيذ نفس هذا الديكور ، قاموا ببناء الدرج من الخشب لكن مع فارق بسيط أنهم قاموا بتغطية الخشب بطبقة متوسطة السمك خليط من الأسمنت والرمل ثم قاموا برسم تأثير الرخام عليه ، مما كان له أكبر الأثر في خلق التناغم بين الصوت والصورة ، أيضاً الاهتمام باستخدام أبواب حديدية للزنازين التي سيتم فتحها فعلاً في حين يتم استخدام الخشب في باقي الأبواب ، وكل هذه الأشياء تجعلني أشك في السماح بعرض هذه التجربة ، لأنها وجهة نظر أوروبية محايدة وهادئة في القضية الفلسطينية ، في حين يمكن السماح لتجربة اخرى أكثر عصبية يتم سب اليهود خلالها ، لكي نظهر بمظهر العنصريين أمام الرأي العام العالمي ، ويظهر اليهود بمظهر الضحايا المغلوب على أمرهم .

        أما الفيلم الذي يحمل وجهة النظر الأوروبية ، فالبطل الذي كنت أقوم بأداء دوره والذي يدعى عيسى على اسم السيد المسيح عن قصد يقول للفتاة الإيطالية التي تأتي لزيارة جدتها ( أنا هاسألك سؤال واحد بس ، ومش هاطول عليكي ، لو المسيح كان له هوية جنسيته كانت هتبقى إيه ) فترد عليه الفتاه ( فلسطيني ) ، والحوار نموذج لأسلوب العقلية الغربية عندما تخاطب العقلية الغربية بالمنطق الواضح ، فالعمل يخاطب أوروبا المسيحية بمنطق المسيحيين ، لكي يتمكن من توصيل فكرة ماذا يعني أن هذه الأرض ملك للفلسطينيين ، وللتوضيح أكثر يمكن لليهود أن يقوموا برفع دعوى على المصريين على اعتبار أن نبي الله موسى قد عاش في مصر ، لكن لا يحق لهم على الإطلاق أن يقولوا أن فلسطين ملكاً لهم ، فالفيلم يحمل نموذج للعقلية الغربية الهادئة التي قامت باستيعاب القضية الفلسطينية وأرادت أن تقوم بشرحها بمنطق مادي بحت يخلو من الانفعالات والشعارات الجوفاء ، ولذلك لن يعرض ، أما إن كان الفيلم يحمل ملامح العقلية العصبية التي تنجح بدون وعي في إظهار اليهود بمظهر الضحية فهذا الفيلم يتم عرضه بل وقد تجد من اليهود من يتبرع بتمويله لكي يظهر إلى الرأي العام العالمي وجهة النظر التي سبق وأن اشرت إليها .

أحد طلبة القسم :

        وكيف هذا ؟

أ / نور الشريف :

        سوف أخبرك كيف ، لأن اليهود هم المسيطرون على السينما العالمية كأحد أهم وسائط الإعلام مرئي ، وقد سيطروا أخيراً على الإعلام المقروء من صحف ومجلات ، بعد أن سيطروا على الأقمار الصناعية التي تبث قنوات التليفزيون بالعالم كله .

        وكوستا جافراس عندما قام بإخراج فيلم ( حنا ك. ) وأنا من اشد المعجبين بهذا الفيلم ، على الرغم من أن المتطرفين من بيننا هاجموا الفيلم بحجة أنه لم يدافع عن القضية بالقدر الكاف ، ومن منا قد دافع عن القضية بالقدر الكاف ، فكانت النتيجة ان كل دور العرض المملوكة لليهود منعوا عرض الفيلم ، وقاموا بتفجير دور العرض المحايدة التي سمحت بعرض الفيلم ، وعلى عكس كل الحكومات العربية التي لم تهتم بمساندة عرض الفيلم ، قام اليهود بمد يد العون للمخرج لكي يقوم بإخراج أفلام أخرى تلتزم بشروطهم ، في نفس الوقت الذي قاموا فيه بشراء فيلم ( حنا ك. ) ووضعه بالمخازن ، وقد منحوا المخرج جائزة الأوسكار تشجيعاً له على المضي في اتباع أسلوبهم في تقديم الأعمال والابتعاد عن كل ما يخص العرب وقضاياهم ، وفي أوروبا تسعون بالمائة من دور العرض السينمائي يمتلكها رجل الأعمال اليهودي مناحم جولان .