ستديو مصر
مدرسة سينمائية فى الثلاثينيات |
البداية والتطور |
تأسس بنك مصر فى 3 إبريل 1920 برأس مال قدره
80000 جنيها , وبدأ البنك بعدها فى تأسيس شركات
تابعة له فى خطوات متتالية , كان من بينها أن قام فى 13 يونيو 1925 بتأسيس شركة
مصر للتمثيل والسينما برأس مال قدره 15000 جنيه. |
وكان ما
سبق هذا هو وجود قسم للسينما فى أواخر عام 1924 تابعا لشركة إعلانات مصر , وكان
مقر هذا القسم فوق مبنى مطبعة مصر فى شارع الدواوين (نوبار حاليا) بالقاهرة ,
وعندما لم يتمكن محمد بيومى من مواصلة جهوده فى معمله الخاص الذى كان يحمل إسم
" بيومى فوتو فيلم " بشارع جلال بالقاهرة , إضطر إلى بيع معمله إلى بنك
مصر فى سنة 1925 وعمل موظفا به متوليا إدارته . ويذكر السيد حسن جمعة فى كتابه "عاصرت السينما 20 عاما"
عن معمل شركة مصر للتمثيل والسينما : "..... كان كل عمله هو تصوير
الأفلام الإخبارية والتسجيلية التى كانت تصور فيها مناظر مختلفة عن مصر وآثارها
وصناعاتها , فلما ظهرت شركات السينما كان معظم إعتمادها على هذا المعمل تستعين
به فى تصوير أفلامها وتحميضها وطبعها وإعدادها للعرض فى دور السينما. وهكذا
شهدت تلك الدار التى كان يقوم فيها المعمل فوق مطبعة مصر جميع أوائل منتجى
الأفلام المصرية الصامتة فكانت شبه منتدى لهم..." |
وفى عام 1926 استقال محمد بيومى من عمله كمدير فنى لشركة
مصر للتمثيل والسينما. ومن بين الأفلام القصيرة التى أنتجتها هذه الشركة فى عام
1927 فيلم "حدائق الحيوان" من إخراج محمد كريم وتصوير حسن مراد. وكان طلعت
حرب قد ألقى خطابا فى مارس 1927 يحدد المجال الذى يجب أن تخوضه السينما فى ذلك
الوقت الأ وهو مجال الأفلام القصيرة الإخبارية والتسجيلية فقط.
ومن هنا جاء إعجابه وتقديره لشجاعة عزيزة أمير على
إقتحام عمل الأفلام الروائية عندما قدمت فيلم " ليلى" يوم 16 نوفمبر 1927 قائلا
لها : " لقد حققت يا سيدتى ما لم يستطع الرجال أن يفعلوه ". وفى أكتوبر 1928 استقال محمد كريم من عمله فى شركة مصر
للتمثيل والسينما ليتفرغ لتحقيق حلمه فى إخراج الفيلم الطويل " زينب " , حيث أن
الشركة كانت ترفض إنتاج الأفلام الروائية الطويلة فى تلك المرحلة. |
وبحلول عام 1932 أصبحت أغلب شركات الإنتاج السينمائى فى
مصر تعتمد على العاملين فى شركة مصر للتمثيل والسينما فى تصوير أفلامها
وتحميضها وطبعها وإعدادها للعرض , كما فى حالة فيلم " زينب " (1930) و" وخز
الضمير" (1931) و" أولاد الذوات " (1932). وعلى رأس هؤلاء العاملين المصور
الفرنسى جاستون مادرى الذى تعاقد معه طلعت حرب فى عام 1972, والمصور محمد
عبدالعظيم الذى درس فى ألمانيا فى المدرسة العليا للسينما التى تخرج فيها بعد
أربع سنوات ثم أمضى فترة تدريب فى إستديوهات ميونخ قبل أن يعود إلى مصر ويلحق
بشركة مصر للتمثيل والسينما , وحسن مراد الذى سافر إلى النمسا حيث بدأ دراسة
نظرية وعملية فى التصوير السينمائى ثم إنتقل إلى برلين ليواصل إكتساب الخبرة
العملية قبل أن يلتحق بالشركة. أما الجانب المالى فكان يقوم به موريس كساب ,
ونذكر كذلك أن محمد كريم كان ضمن العاملين فى الشركة قبل أن يستقيل منها. |
وفى عام 1933 إتجهت شركة مصر للتمثيل والسينما لبناء
ستديو كامل لتنفيذ الأفلام الروائية الطويلة الناطقة . وكان من أول مهام ليتو باروخ الذى تولى إدارة الشركة ( كان مديرا
لشركة أسطوانات أوديون قبل ذلك ) أن يسافر لفحص آلات توبيس الناطقة بمعاونة بعض
الخبراء قبل شحنها إلى مصر لتصبح جزءا من الأستديو الجديد. وكانت الشركة قد قررت فى فبراير 1933 أن توفد عددا من
الشبان الموثوق بكفاءتهم إلى الخارج للتخصص فى كل ما يتصل بالسينما. وفعلا
سافرت يوم 3 أكتوبر 1933 أول بعثة سينمائية أوفدتها شركة مصر للتمثيل والسينما ,
تضم كل من أحمد بدرخان وموريس كساب ومحمد عبدالعظيم وحسن مراد. وكان طلعت حرب
باشا قد اتفق أيضا مع ثلاثة من المصريين الذين يدرسون السينما فى ألمانيا على
نفقتهم الخاصة , وهم نيازى مصطفى ( إخراج ) وولى الدين سامح ( مناظر ) ومصطفى
والى ( صوت ) , على العمل فى الأستديو عند عودتهم. |
وفى 7 مارس 1934 بدأ المهندسون فى وضع أساس استديو
سينمائى كبير يحمل إسم " ستديو مصر " يتبع شركة مصر للتمثيل والسينما , ويقع داخل
مساحة قدرها 80 ألف متر مربع بالجيزة على الطريق المؤدى إلى هرم سقارة . ويضم الأستديو قاعتين كبيرتين للتصوير ( بلاتوه ) , القاعة
الكبرى منهما بمقاس 16x18x28
مترا مكعبا , والصغرى بمقاس 9x12x20
مترا مكعبا.ويضم أيضا مكاتب الإدارة وأقساما للبحوث وللإخراج وكتابة
السيناريو وقسما لآلات التصوير السينمائى ومعدات الإضاءة وصالة لتسجيل الصوت
والمزج وصالة لتسجيل الموسيقى , وكان الاستديو يعتمد على معدات الصوت من إنتاج
توبيس كلانج فيلم , وجناح المونتاج لتركيب النسخ الموجبة والسالبة. هذا إلى جانب
معمل التحميض والطبع وورش المناظر والمجسمات والمؤثرات الخاصة وأعمال النجارة
والحدادة وقسم الملابس والأزياءالخاصة. ويضم الاستديو أيضا قسم الكهرباء
والتهوية , إلى جانب حجرات الممثلين وتغيير الملابس والمطعم وما إلى ذلك. |
وتم الإتفاق مع عدد من الخبراء الأجانب للعمل فى
الاستديو , ومن بين هؤلاء المخرج الألمانى فريتز كرامب والمصور الروسى سامى بريل
ومهندسا المناظر روبرت شارفنبرج وأنطوان بوليزويس وأخصائى الماكياج الروسى
ألكسندر سترانج. كما استقدمت شركة مصر مدام لوتى من ألمانيا , وكانت تعمل فى
شركة أوفا كرئيسة لقسم المونتاج لتعهد إليها برئاسة قسم المونتاج بالاستديو. |
وتم الإفتتاح الرسمى لاستديو مصر يوم 12 أكتوبر 1935 ,
وإن كان تنفيذ أول فيلم روائى طويل فيه وهو فيلم "وداد" قد بدأ قبل ذلك فى يوم
15 أغسطس 1935. وتولى ادارة الاستديو بدءا من يونيو 1935 أحمد سالم خلفا لليتو
باروخ. وأضاف ستديو مصر 17 فدانا إلى أرضه لإقامة منشآت جديدة
, وبعد أن انضم كاتب السيناريو ستيفن هاريسون إلى العاملين فى الاستديو , تم
استدعاء خبير المعامل بول بليتس من معامل أوفا بألمانيا . |
وعندما انتهى عقد المصور السينمائى سامى بريل مع استديو
مصر لم يجدد , بعد أن عمل فيه عامين صور خلالهما فيلم " وداد " ( 1936 ) وفيلم " نشيد
الأمل " ( 1937 ) والفيلم الغنائى القصير " حلم الشباب " ( 1937 ) . وعندما انتهى عقد السيدة الألمانية لوتى التى كانت تعمل
رئيسة لقسم المونتاج بالاستديو لم يجدد أيضا .وقام استديو مصر بعمل دوبلاج للفيلم الأمريكى " مستر
ديدز يذهب إلى المدينة " ليكون ناطقا باللغة العربية . وكان نجاح هذه المهمة داعيا للمزيد من عمليات الدوبلاج لأفلام
أجنبية أخرى. |
وفى 12 مارس 1938 تم التعاقد بين أحمد سالم مدير الشركة
وألكسندر إبتكمان بصفته صاحب سينما تريومف على أن يشترى استديو مصر السينما
المذكورة ليعرض فيها أفلامه المصرية الجديدة إلى جانب الأفلام الأجنبية التى
يتعاقد على عرضها . ويقع مبنى هذه
السينما عند تقاطع شارعى عماد الدين وكوم الدكة (
نجيب الريحانى حاليا
)
بالقاهرة. وفى مايو 1938 استقال أحمد سالم من وظيفته كمدير لشركة
مصر للتمثيل والسينما ومن الإشراف على إدارة استديو مصر . ثم أسندت شركة مصر للتمثيل والسينما إدارة استديو مصر إلى الأستاذ حسنى نجيب
. وفى عام 1939 استقدم
الأستاذ حسنى نجيب الخبير الفرنسى أندريه فينو من باريس ليشرف على نظام العمل
فى الاستديو ويضع تقريرا ضافيا عن أحدث الطرق الفنية المتبعة فى استديوهات
فرنسا . |
ستديو مصر
.. مدرسة سينمائية |
يتضح مما سبق أن خطة ستديو مصر من بداية افتتاحه
للعمل والنظام الذى اتبعه فى إسناد المهام إلى من أصبحوا قادرين على تنفيذ هذه
المهام مع المحافظة على المستوى الفنى الذى يصبوا إليه ويأمل تحقيقه بعد اتخاذ
كل هذه الخطوات فى توفير المبنى والمعدات على أحدث مستوى عالمى وبعد إنفاق هذه
المبالغ غير المألوفة فى ذلك الوقت , كانت هذه الخطة تعتمد على ذوى الخبرة من
الأجانب قبل أن يحين الأوان لإسناد العمل إلى الفنيين المصريين مهما كانوا
دارسين لتخصصاتهم فى الخارج وحتى لو كانوا دارسين على نفقة استديو مصر نفسه
ووفق اختياراته وتوجيهاته. |
نلحظ ذلك بوضوح فى خطة التعاقد مع فريتز كرامب فى
مجال الإخراج , وسامى بريل فى مجال التصوير , وروبرت شار فنبرج وأنطوان بوليزويس
فى مجال تصميم المناظر , وألكسندر سترانج فى مجال الماكياج , ومدام لوتى فى مجال
المونتاج , من بدء العمل. ثم إضافة ستيفن هاريسون فى مجال كتابة السيناريو وبول
بليتس فى مجال التحميض والطبع فى المعامل. وتضمنت الخطة بوضوح أيضا إسناد العمل
للفنيين المصريين كمساعدين لهؤلاء الخبراء أو ما إلى ذلك من أعمال فى الأفلام
الأولى التى قام استديو مصر بتنفيذها سواء كان ذلك لحسابه أو لحساب الغير , حتى
يتم لهم التدريب اللازم والدراسة العملية المطلوبة على أيدى ذوى الخبرة, قبل
إسناد الأعمال الرئيسية لهم. |
وكان من بين هؤلاء الفنيين المصريين أحمد بدرخان وعبدالفتاح حسن ونيازى
مصطفى وجمال مدكور وكمال سليم وصلاح أبوسيف ومحمد عبد الجواد وإبراهيم عمارة فى
مجال الإخراج , ومحمد عبدالعظيم وحسن مراد وحسن داهش ووحيد فريد وأحمد خورشيد فى
مجال التصوير , ويوسف بهجت فى مجال تصميم المناظر , وعزيز فاضل فى مجال تسجيل
الصوت , وجلال مصطفى فى مجال المونتاج , وحلمى رفلة فى مجال الماكياج .... وهذا
على سبيل المثال لا الحصر بطبيعة الحال. |
ولنتذكر هنا ما سبق قبل التفكير فى إنشاء استديو مصر عندما كانت النواة
عبارة عن مقر محدود لشركة مصر للتمثيل والسينما عبارة عن ثلاث حجرات فوق سطح
مبنى مطبعة مصر بشارع الدواوين بالقاهرة , وعندما كتب السيد حسن جمعة : "
شهدت تلك الدار جميع أوائل منتجى الأفلام المصرية الصامتة فكانت شبه منتدى
لهم.... " وقد يعنى هذا إضافة فرصة التعليم للجدد على أيدى من سبقوهم من ذوى
الخبرة. ولنذكر الآن بعض ما تم مع هؤلاء الفنيين المصريين من خطوات تدريب وتعليم فى
خطواتهم الأولى داخل جدران استديو مصر بدءا من عام 1935 قبل تمكنهم من النضج
التقنى المطلوب. |
وإذا بدأنا بوضع أحمد بدرخان وجدنا أنه عندما كان
يدرس السينما فى فرنسا ضمن بعثة شركة مصر للتمثيل والسينما إلى باريس سنحت له
فرصة أن ييعمل كمساعد مخرج فى فيلم " ياقوت " ( 1934 ) الذى أخرجه إميل روزييه ومن
بطولة نجيب الريحانى. كما قام بكتابة سيناريو فيلم " وداد " قبل عودته إلى مصر ,
وكان يتوقع أن يتولى أيضا إخراج الفيلم نفسه , وهو أول إنتاج لاستديو مصر بعد
عودته , ولكن الاستديو لم يمكنه من ذلك وقام بمهمة الإخراج فريتز كرامب صاحب
الخبرة. واقتصر دور أحمد بدرخان على كتابة سيناريو فيلم " وداد " (
فبراير 1936 ).
ثم أتيحت أول فرصة إخراج فيلم روائى طويل لبدرخان عندما أسند إليه إخراج فيلم
" نشيد الأمل " ( يناير 1937 ) داخل استديو مصر إلى جانب كتابة السيناريو , ولكن
لحساب شركة خاصة. |
ولابد أن أذكر هنا أنه عند إعادة مشاهدة فيلم " نشيد الأمل "
فى مناسبة أخيرة تبين لى ولمن شاهد الفيلم معى أن أحمد بدرخان قد أتقن عمله فى
كتابة السيناريو والإخراج إلى حد كبير. وهذا هو ما جعل استديو مصر يعهد إليه
بإخراج فيلم " شئ من لا شئ " ( أكتوبر 1938 ) لحساب الأستديو , وان كان هذا الفيلم
يعد من الإنتاج متوسط التكاليف , إذ يعتمد على مناظر ( ديكورات ) وملابس فيلم
" لاشين " عالى التكاليف الذى كان فى مرحلة التنفيذ فى الوقت نفسه. ثم سنحت
لبدرخان فرصة كتابة سيناريو وإخراج فيلم " حياة الظلام " ( 1940 ) لحساب استديو
مصر , وهو الفيلم رقم 8 فى قائمة الأفلام التى أنتجها استديو مصر , وأبلى فيه
أحمد بدرخان بلاء حسنا مما جعل هذا الفيلم " حياة الظلام " يدخل فى عداد الأفلام
التى يعتز بها الاستديو , ومن الأفلام التى أسندت أدوارها التمثيلية إلى أبطال
التمثيل السينمائى فى تلك المرحلة. ثم انطلق أحمد بدرخان بعد ذلك ليكون على رأس قائمة مخرجى السينما فى ذلك
الوقت , حتى بلغ ما أخرجه من أفلام روائية طويلة عدد 41 فيلما حتى وفاته فى عام
1969. |
وإذا أخذنا نيازى مصطفى كمثال آخر للدارسين فى الخارج قبل إلتحاقهم بالعمل
فى استديو مصر , وكيف تدرج فى المهام المسندة إليه , نجد أنه بدأ ممارسة المهنة
فى فيلم " الدفاع " ( 1935 ) , من إنتاج وتأليف وإخراج يوسف وهبى, حيث اشترك نيازى
فى كتابة السيناريو وقام بمهمة مساعد المخرج ومهمة الماكياج. وكلفه استديو مصر
فى العام نفسه بإخراج فيلم قصير عن شركة مصر للغزل والنسيج بمناسبة مرور 15
عاما على إنشائها. ثم أسند إليه استديو مصر إخراج فيلم روائى قصير مدته 40
دقيقة بعنوان " الشيخ شريب الشاى " ( 1936 ). ثم انتقل إلى مهمة مونتاج الفيلم
الروائى الطويل " الحل الأخير " ( إبريل 1937 ) من إخراج عبد الفتاح حسن, وإخراج
فيلمين روائيين قصيرين هما " حلم الشباب " و " سوق الملاح " لكى يعرضا ضمن برنامج
عرض الفيلم الطويل " الحل الأخير ". وهذان الفيلمان القصيران من النوع الغنائى
الراقص قامت ببطولة الفيلم الأول منهما الراقصة تحية كاريوكا وقامت ببطولة
الفيلم الثانى الراقصة بديعة مصابنى وفرقتها. وتم هذا قبل أن يثق استديو مصر فى
أن يسند إليه مهمة إخراج فيلم " سلامة فى خير " ( نوفمبر 1937 ) ومهمة مونتاج
الفيلم نفسه. وكان هذا الفيلم بشهادة الجميع تحفة فنية رائعة تفوق كل أفلام
الكوميديا التى سبقتها بفضل إخراج نيازى مصطفى ومونتاجه وبطولة نجيب الريحانى. |
ثم أسند ستديو مصر إلى نيازى مصطفى مهمة إخراج فيلمه الروائى الطويل
" لاشين " ( نوفمبر1938 ) والذى أخرجه فريتز كرامب , قبل أن يسند إلى نيازى
مهمة إخراج فيلمه الروائى الطويل الثانى " الدكتور " ( يناير 1939 ) بطولة سليمان
نجيب وأمينة رزق , وهو الفيلم الروائى السادس فى قائمة أفلام استديو مصر.
وجاء هذا الفيلم ليؤكد كفاءة نيازى مصطفى واستفادته من التدرج فى المهام التى
كلفه بها استديو مصر , إلى جانب دراسته للسينما فى ألمانيا من قبل كما سبق أن
ذكرنا. وانطلق أيضا نيازى مصطفى فى مجال الإخراج السينمائى ليخرج لنا 87 فيلما
روائيا طويلا حتى وفاته فى عام 1986. |
ولنأخذ الآن مثالا ثالثا ولكن من
المخرجين الذين لم يدرسوا فنون السينما فى الخارج , وإنما اعتمدوا على اكتساب
الخبرة من خلال عملهم فيما أسميناه هنا مدرسة ستديو مصر , وخلال التدرج فى مهام
الإخراج السينمائى للحصول على التدريب اللازم تدريجيا حسب نظام هذه المدرسة ,
وهى مدرسة لا شك فى وجودها لمن يبحث هذه الحقائق.هو المخرج عبد الفتاح
حسن. بدأ كملاحظ سيناريو فى فيلم " وداد " ( فبراير 1936 ) وهو أول فيلم من إنتاج
استديو مصر ومن إخراج فريتز كرامب. ثم أخرج عبدالفتاح حسن فيلم " الحل الأخير "
( إبريل 1937 ) بطولة سليمان نجيب وأمينة شكيب , وهو ثانى أفلام استديو مصر بعد
فيلم " وداد " , وكان فيلما ناجحا من جميع الإعتبارات. ثم أسند الاستديو
لعبد الفتاح حسن مهمة مساعد للمخرج فريتز كرامب عند إخراجه فيلم " لاشين " ( نوفمبر1938
) ومراقب للغة العربية فى ذلك الفيلم. ثم تولى عبد الفتاح حسن مهمة إخراج
فيلمين قصيرين هما " نوادر عبد الفتاح أفندى " بطولة عزيز عيد , ليكون ضمن برنامج
عرض الفيلم الروائى الطويل " الدكتور " ( يناير 1939 ) , والفيلم القصير " أفراح
البدو " بطولة وغناء محمد الكحلاوى , ليكون ضمن برنامج عرض الفيلم الروائى الطويل
" العزيمة " ( نوفمبر 1939 ). ثم أخرج عبد الفتاح حسن بعد ذلك الفيلم الروائى الطويل
" محطة الأنس " ( 1942 ) بطولة على الكسار وعقيلة راتب. وانطلق بعده عبد الفتاح حسن
لتضم قائمة الأفلام الروائية الطويلة التى أخرجها عدد 22 فيلما , على الرغم من
وفاته فى سن مبكرة فى عام 1950. |
والمثال التالى لأصحاب الموهبة الصحيحة فى
الإتجاه الصحيح والذين مروا إلى قائمة المخرجين الذين نعتز بهم وبإنجازاتهم من
خلال مدرسة استديو مصر هو صلاح أبو سيف. بدأ تدرجه فى تولى المهام الفنية فى
السينما بالعمل مساعد مخرج لنيازى مصطفى عندما أخرج نيازى فيلمه الأول " سلامة
فى خير " ( 1937 ). ثم عمل مرة أخرى مساعد مخرج لكمال سليم عندما أخرج تحفته
الخالدة " العزيمة " ( 1939 ). ثم تولى صلاح أبو سيف إخراج الفيلم التسجيلى القصير
" المواصلات فى مصر " فى العام نفسه 1939 , وتركز عمله بعد ذلك فى قسم المونتاج
لفترة من الزمن , كانت كافية لصقل موهبته وإدراكه للفرق بين الإخراج الجيد الذى
يحقق اللقطات السليمة التى تمهد للتتابع السليم والوقع المطلوب من كل مشاهد
الفيلم للوصول إلى الصورة النهائية التى خطط لها مخرجه. تولى صلاح أبو سيف مهام
مونتاج فيلم " قضية اليوم " ( 1943 ) إخراج كمال سليم , ومونتاج فيلم " غرام وانتقام "
( 1944 ) إخراج يوسف وهبى , ومونتاج فيلم " سيف الجلاد " (1944) إخراج يوسف وهبى
أيضا , ومونتاج فيلم " الحياة كفاح " ( 1945 ) إخراج جمال مدكور , وكلها من تنفيذ
ستديو مصر. وهكذا تدرج صلاح أبو سيف إلى مهمة الإخراج للأفلام الروائية
الطويلة , وكان أول ما أخرجه منها فيلم " دائما فى قلبى " ( 1946 ) بطولة عماد حمدى
وعقيلة راتب. وانطلق صلاح أبو سيف فى الإخراج ليقدم لنا 40 فيلما روائيا تدخل
جميعها ضمن كلاسيكيات السينما المصرية , حتى وفاته فى عام 1996. |
والمثال
الأخير الذى اخترته هنا فى مجال الإخراج السينمائى هو المخرج العبقرى كمال
سليم , الذى بدأ مسيرته فى السينما بكتابة سيناريو وإخراج فيلم " وراء الستار "
( 1937 ) بطولة عبد الغنى السيد ورجاء عبده , ولم يحقق الفيلم ما كان يأمله كمال
سليم لضعف الإمكانيات التى أتيحت له فى أثناء التنفيذ من جانب الشركة المنتجة ,
فتركها وانضم إلى استديو مصر , حيث تولى كتابة السيناريو فيلم " الدكتور " ( يناير
1939 ) إخراج نيازى مصطفى , ثم تولى كمال سليم إخراج فيلم " العزيمة " ( نوفمبر
1939 ) التحفة الخالدة التى يذكرها الجميع بين قوائم الأفلام الهامة فى تاريخ
السينما المصرية , وقد قام كمال سليم فى فيلم " العزيمة " بمهمة كتابة القصة
والسيناريو والمونتاج أيضا إلى جانب الإخراج. وانطلق بعد ذلك مستفيدا من
الإمكانيات الوافية لاستديو مصر مخرجا لفيلم " إلى الأبد " ( 1941 ) , حتى ضمنت
قائمة الأفلام الروائية الطويلة التى أخرجها عدد 11 فيلما قبل أن يتوفى فى سن
مبكرة فى عام 1945. |
وإذا تركنا مجال الإخراج السينمائى وكيف تمكن بعض فنانينا من القيام بمهمة
الإخراج بعد التدرج فى أعمال أخرى من خلال هذه المدرسة , مدرسة استديو مصر...
نجد أمثلة أخرى فى باقى المجالات , ففى مجال التصوير السينمائى هناك محمد
عبد العظيم الذى بدأ تدريبه فى مرحلة شركة مصر للتمثيل والسينما قبل بناء استديو
مصر بتجهيزاته المميزة. لقد عمل محمد عبد العظيم مساعد مصور فى فيلم " زينب "
( 1930 ) الذى أخرجه محمد كريم , وإن كان محمد عبد العظيم قد تولى مسئولية تحميض
وطبع نسخ الفيلم إلى جانب ذلك. ثم تولى تحميض وطبع نسخ فيلم " وخز الضمير
" ( 1931 ) الذى أخرجه إبراهيم لاما . ثم قام لأول مرة بتصوير فيلم " عندما تحب
المرأة " ( 1933 ) الذى أخرجه أحمد جلال. وكان محمد عبد العظيم من بين مبعوثى شركة
مصر للتمثيل والسينما إلى ألمانيا لدراسة التصوير السينمائى بدءا من أكتوبر
1933 لإعداده لتولى مهام رئيسية فى استديو مصر عند إكتمال بنائه. وكان أول ما
أسند إليه فى هذه المرحلة الجديدة هو تصوير المناظر الداخلية داخل قاعات
التصوير ( بلاتوه ) بالاستديو لفيلم " ليلى بنت الصحراء " ( فبراير 1937 ). ثم تولى
تصوير فيلم " الحل الأخير " ( إبريل 1937 ) بأكمله , من إخراج عبد الفتاح حسن, تلاه
تصوير الفيلم الروائى " سلامة فى خير " ( نوفمبر 1937 ) من إخراج نيازى مصطفى , ثم
فيلم " شئ من لا شئ " ( أكتوبر 1938 ) من إخراج أحمد بدرخان , ثم فيلم " الدكتور "
( يناير 1939 ) من إخراج نيازى مصطفى. ومن إنتاج استديو مصر أيضا قام محمد
عبد العظيم بتصوير فيلم " دنانير " ( سبتمبر 1940 ) من إخراج أحمد بدرخان.وهكذا
يتضح أمامنا كيف تدرج محمد عبد العظيم فى عمله بدءا من عام 1930 , أى من قبل أن
يظهر استديو مصر فى الميدان , إلى أن أصبح أحد اعمدة تصوير الأفلام الروائية
الطويلة فى مصر;
بلغت قائمة
الأفلام الروائية الطويلة التى صورها عدد 88 فيلما قبل وفاته فى عام 1965. |
ولنأخذ مثالا آخر مختلفا فى مجال التصوير السينمائى نفسه ,
من بين الذين لم يتعلموا خارج مصر , إنما اقتصر عملهم على ما تلقوا من تدريب
داخل استديو مصر إلى جانب توفر الموهبة بطبيعة الحال. هو مدير التصوير أحمد
خورشيد. بدأ أحمد خورشيد يتولى مسئولية التصوير الفوتوغرافى داخل بلاتوهات
الاستديو حتى سنحت له فرصة العمل كمساعد مصور سينمائى بدءا من فيلم " وداد "
( 1936 ) إخراج فريتز كرامب , وكان مدير تصوير الفيلم هو محمد عبد العظيم. وسنحت
لأحمد خورشيد الفرصة الثانية للعمل كمساعد مصور فى فيلم " نشيد الأمل " ( 1937 ) من
إخراج أحمد بدرخان. ثم تولى أحمد خورشيد مهمة تصوير الفيلم الغنائى القصير
" جزيرة الأمل " ( يناير 1940 ) من إخراج جمال مدكور , وعرض هذا الفيلم القصير ضمن
برنامج عرض الفيلم الروائى الطويل " حياة الظلام " , ثم تولى أحمد خورشيد لأول مرة
مهمة مدير التصوير لفيلم روائى طويل عندما قام بتصوير فيلم " سى عمر " ( 1941 ) من
إخراج نيازى مصطفى , وانطلق أحمد خورشيد بعد ذلك فى تصوير الأفلام الروائية
الطويلة , التى بلغت فى مجموعها 54 فيلما , حتى وفاته فى عام 1973. |
وإذا انتقلنا الآن إلى مجال ثالث وهو تصميم
المناظر السينمائية فسنجد أن ولى الدين سامح قد بدأ مباشرة تولى مهمة مسئولية
تصميم المناظر بدءا من " ليلى بنت الصحراء " ( فبراير 1937 ) تلاه فيلم " الحل
الأخير " ( إبريل 1937 ) من إخراج عبد الفتاح حسن , ثم فيلم " سلامة فى خير " ( نوفمبر
1937 ) من إخراج نيازى مصطفى. وواصل ولى الدين سامح مسيرته فى مجال تصميم
المناظر السينمائية. |
أما يوسف بهجت فقد بدأ مشواره فى مجال تصميم المناظر
السينمائية كمساعد للمصمم فى فيلم " وداد " ( 1936 ) وكان المصمم المسئول هو ولى
الدين سامح. ثم تولى يوسف بهجت تصميم مناظر الفيلم الروائى القصير " الشيخ شريب
الشاى " مدته 40 دقيقة فقط ومن إخراج نيازى مصطفى , ثم عاد يوسف بهجت مساعدا
للمصمم مرة أخرى فى فيلم " نشيد الأمل " ( يناير 1937 ) مساعدا لولى الدين سامح
والفيلم من إخراج أحمد بدرخان. ثم سنحت له فرصة تولى المسئولية كمصمم للمناظر
فى فيلم روائى طويل لأول مرة فى فيلم " الحل الأخير " ( إبريل 1937 ) من إخراج عبد
الفتاح حسن , وهكذا... |
وإذا انتقلنا إلى مجال رابع هام
وهو المونتاج السينمائى بحثا عن الذين تدربوا فى مدرسة استديو مصر , نجد أمامنا
مثالا واضحا هو جلال مصطفى. عمل مساعدا للمونتاج فى الفيلم الروائى القصير "
الشيخ شريب الشاى " ( 1936 ) ومدته 40 دقيقة , وكان المسئول عن المونتاج عندئذ
هو شقيقه نيازى مصطفى. ثم عمل مساعد مونتاج فى الفيلم الروائى الطويل " الحل
الأخير " ( إبريل 1937 ) من إخراج عبد الفتاح حسن , ثم مساعد مونتاج فى الفيلم
الطويل " سلامة فى خير " ( نوفمبر 1937 ) من إخراج نيازى مصطفى. وكان المسئول
عن المونتاج فى الفيلمين الطويلين الأخيرين هو نيازى مصطفى أيضا. ثم انفرد جلال
مصطفى بمسئولية المونتاج فى الأفلام الطويلة بدءا من فيلم " الدكتور " ( يناير
1939 ) من إخراج نيازى مصطفى. ثم تتابعت أفلام " دنانير " ( 1940 ) و" سى عمر "
( 1941 ) و... و... |
وإذا انتقلنا إلى قسم الماكياج فسنجد أيضا امثلة
تؤكد قيام استديو مصر بدور المدرسة للفنانين والفنيين فى تلك المرحلة , بما لا
يدع مجالا لأى شك فى تلك الحقيقة. المثال هنا هو حلمى رفلة. لقد بدأ حلمى رفلة
مسيرته الطويلة فى السينما كمساعد ماكياج فى فيلم
" وداد " ( 1936 ) من إخراج فريتز كرامب , وكان المسئول عن
الماكياج هو الخبير الروسى ألكسندر سترانج. ثم عمل مساعد مكياج أيضا فى فيلم
" نشيد الأمل " ( 1937 ) من إخراج أحمد بدرخان والمسئول عن الماكياج هو الخبير
الروسى نفسه. وانتقل حلمى رفلة بعد ذلك مباشرة ليصبح هو المسئول عن الماكياج فى
كل أفلامه التالية بدءا من فيلم " ليلى بنت الصحراء " ( فبراير
1937 ) يليه فيلم
" المجد الخالد " ( مايو 1937 ) من إخراج يوسف وهبى , يليه فيلم " يوم سعيد " ( يناير
1940 ) من إخراج محمد كريم , ثم فيلم " دنانير " ( سبتمبر 1940 ) من إخراج أحمد
بدرخان. |
أليست هذه الأمثلة بكافية لتوضيح الدور الهام
الذى قام به استديو مصر فى مرحلة الثلاثينيات كمدرسة يتدرب فيها ذوو المواهب
ويتدرجون فى مناصبها حتى يصلوا إلى أعلاها كل فى مجاله , ووفق استعداده
وصلاحيته. هذا بطبيعة الحال إلى جانب تحقيق الهدف الأساسى من وراء إنشاء هذا
الاستديو ليكون صرحا ضخما فى الإنتاج السينمائى المصرى , مجهزا بأحدث المعدات
العالمية ولتكون الأفلام التى يتجها على أعلى مستوى يأمله السينمائيون
المصريون. |
من روائع ستديو مصر فى مرحلة الثلاثينيات : |
بعد ما ذكرناه عن بداية استديو مصر وتطوره والخطة
التى اتبعها فى تجهيزه بأحدث المعدات والأجهزة العالمية وتزويده بالخبراء فى
شتى الفنون السينمائية وتخصصاتها , وتأكده من كفاءة من تسند إليهم المهام , نصل
إلى فحص النتائج التى حققها هذا الاستديو فى مرحلة الثلاثينيات من أفلام
سينمائية تضمها برامج متكاملة من العروض , مع تقييم هذه الأفلام. |
وهناك ثلاث أفلام روائية طويلة من إخراج ثلاثة من
ألمع مخرجى تلك المرحلة, كشاهد على ما حققه هذا الاستديو من تفوق ونجاح. والأفلام الثلاثة هى : |
أولا : " نشيد الأمل " ( يناير 1937 ) إخراج
أحمد بدرخان : |
تدور قصة الفيلم , التى كتبها أدمون تويما وأعدها
للسينما أحمد بدرخان , حول آمال ( أم كلثوم ) التى ترعى ابنتها المريضة وأمها
( مارى منيب ) , بينما لا يهتم طليقها بائع المخدرات إسماعيل ( عباس فارس ) بشئ.
يلحظ الدكتور عاصم ( زكى طليمات ) مدى ما تعانيه آمال فيعالج الإبنة , وعندما يسمع
الدكتور عاصم صوت آمال وهى تغنى لإبنتها يقترح عليها أن تحترف الغناء , ويدبر
لها أن تتلقى دروسا فى الموسيقى. وتغنى آمال وتنال إعجاب الجميع كمغنية. ويعرض
عليها المخرج كامل عقل ( فؤاد شفيق ) أن تقوم ببطولة فيلم غنائى. وتردد الصحافة
أنباء الفيلم. يقرأ إسماعيل الخبير فيفكر فى ابتزاز طليقته آمال بما يعكر
العلاقة بين الدكتور عاصم وآمال. ويحاول اسماعيل قتل آمال داخل الاستديو
السينمائى فيتم القبض عليه. وفى المستشفى تتضح الحقيقة للدكتور عاصم, وينتهى
تنفيذ الفيلم ويعرض أمام الجمهور. |
وإلى جانب ما اكتسبه الفيلم من أهمية أن البطولة
فيه لكوكب الشرق أم كلثوم , غنت فيه سبع أغنيات خالدة من تأليف أحمد رامى ومن
تلحين محمد القصبجى ورياض السنباطى , أود أن أشير إلى التصرفات السينمائية
الجيدة التى سلكها المخرج أحمد بدرخان , مثل اللقطات التى إختارها لتصاحب أغنية
" منيت شبابى بالنعيم " وأم كلثوم تغنيها داخل مسكنها الذى يدل على فقرها , بأن
يمزح بدرخان من لقطاته إلى لقطات قصر فخم يساير أحلام البطلة نتجول فيها خلال
فخامة هذا القصر وثرائه , إلى أن يمزح مرة أخرى لنعود إلى الواقع مع نهاية
الأغنية. ولا ننسى أيضا إدخال عنصر المرح من آن إلى آخر , إذ إعتمد أحمد بدرخان
على مشهد المخرج السينمائى ( للفيلم داخل الفيلم ) فؤاد شفيق وهو يقلد أصوات
الباعة المتجولين وهم ينادون على ما يبيعونه شاكيا لصديقه الطبيب ومنتهيا بجملة
" أنا هتجننن ". وتضمن عنصر المرح فى فيلم " نشيد الأمل " أيضا إضافة شخصية مساعد
المخرج ( داخل الفيلم ) التى أداها بنجاح الممثل حسن فائق بضحكته التى استمرت
تمتعنا عنندما تصاحبه فى أفلامه التالية.وكانت فرصة وجود فيلم داخل الفيلم مناسبة لإظهار بعض أقسام استديو مصر
ومعداته داخل مشاهد الفيلم. وكانت هذه أول مرة فى السينما المصرية يظهر فيها
جانب من العمل السينمائى أمام المتفرجين , والجهد الذى يستلزمه تنفيذ بعض
اللقطات. |
" سلامة فى خير " ( نوفمبر 1937 )
إخراج نيازى مصطفى : |
كان نجيب الريحانى يبلغ من العمر 45 عاما وقت
تنفيذ هذا الفيلم , وله شهرة واسعة فى المسرح وخبرة طويلة بالتمثيل , ولكنه كان
غير راض عن ظهوره فى السينما من خلال تجربته فى أفلامه الطويلة الأربعة
السابقة , وكان المخرج نيازى مصطفى يبلغ من العمر 25 عاما فقط حينما بدأ إخراج
فيلمه الطويل الأول هذا. ومن هنا بدأ الريحانى يشك فى إمكانيات هذا المخرج
الشاب فى أن ينجح فيما فشل فيه المخرجون السابقون , إلا أن النتيجة جاءت كأحسن
ما يتمنى الطرفان , وأصبح فيلم " سلامة فى خير " نموذجا لأنجح الأفلام الكوميدية
المصرية حتى الآن. |
وتدور قصة الفيلم حول سلامة " نجيب الريحانى " الساعى فى محل
الخواجة خليل هنداوى " فؤاد شفيق " للأقمشة , ويكلفه صراف المحل أن يحمل حقيبة بها
إيراد الأسبوع لإيداعه فى البنك. ويتلكأ سلامة فى الطريق فيصل بعد إغلاق البنك
ويعود إلى المحل فيجده مغلقا فى أجازة إحتفالا بمولود رزق به خليل هنداوى. يتجه
سلامة ومعه المبلغ إلى صالون حلاقة ليتحدث فى التليفون فيجده مشغولا بشاب
ثرثار , وما إن يجلس سلامة على أحد المقاعد ويبدأ الحلاق مهمته حتى يسمع المتكلم
فى التليفون يقول لمحدثه إن محفظته سرقت من قبل , فيترعج سلامة , ولا يتمكن زبون
آخر من دفع أجر الحلاقة لأن محفظته سرقت وقتئذ , فيهب سلامة مغادرا الصالون
حاملا حقيبة النقود معه دون أن يكمل حلاقته. |
ويتجه إلى بيته حيث يحاول إخفاء حقيبة النقود حتى لا يعرف مكانها أحد غيره ,
ويطلب من زوجته ستوتة ( فردوس محمد ) طعاما فيعرف منها أن لصا سطا على الشقة وسرق
النقود والحلل , فيخرج سلامة الحقيبة من مخبئها وينطلق من منزله. ويستشير أحد
أصدقائه فيقترح هذا عليه بأن يمضى أجازة المحل فى أحد الفنادق الكبيرة حتى يدع
حقيبة النقود فى خزائن الأمانات به. ويساوم سلامة مدير الفندق على قيمة المبيت
حتى يتم طرده. ويتصادف وصول أمير دولة شرقية ( حسين رياض ) فى اللحظة نفسها إلى
الفندق فيستغل الأمير الموقف لإخفاء شخصيته ويدعى أن سلامة هو الأمير وأنه
(الأمير الأصلى) من حاشيته , وهكذا يدخل سلامة الفندق بين مظاهر الترحيب
البالغة , وتحدث له مفارقات طريفة وهو يؤدى دوره الجديد. |
وطمعا فى ثرواته تدعى جيهان ( راقية إبراهيم ) إبنة رستم باشا ( إستيفان روستى )
أنها تحبه , بينما يعجب الأمير الأصلى بوصيفتها ناهد ( روحية خالد ) ويعرض
القومسيونجى ألبير ( إدمون تويما ) على الأمير ( سلامة ) عينات أقمشة لجنود جيش
دولته , ويأخد حقيبة النقود خطأ على أنها حقيبة العينات. ويتم القبض على سلامة
بتهمة إنتحال شخصية الأمير وتبديد مبلغ المحل. ويوضح الأمير الحقيقى الأمر
وتسقط على سلامة تهمة إنتحال الشخصية , ويتجه القومسيونجى ألبير إلى خليل هنداوى
ليعرض عليه عيناته فيكتشف أن الحقيبة التى معه هى حقيبة النقود , فتتضح براءة
سلامة ويعود إلى زوجته ويغيظ جاره المدرس بيومى ( شرفنطح ) الذى كان وراء الإبلاغ
عن سلامة. |
كان نيازى مصطفى موفقا فى إخراجه هذا الفيلم إلى مدى بعيد. ومن الإضافات
المثيرة للضحك دون الإعتماد على أى حوار , خروج سلامة إلى الطريق ومعه حقيبة
النقود , فيشاهد أحد راكبى الدراجات يخطف حقيبة سيدة فى الطريق ويهرب بها فيزداد
خوفه , ثم يفاجأ بمجموعة من الرياضيين راكبى الدراجات فيخشى أن تنال حقيبة
النقود الخاصة بالمحل نفس المصير فيواصل الجرى أمام المجموعة. كما يشهد للمخرج
نيازى مصطفى إتقانه مثلا فى تنفيذ مشهد الإلتباس الذى تم عند مدخل الفندق بين
الأمير الشرقى وسلامة الساعى البسيط , وإقناعنا - نحن المتفرجين - بإمكان حدوث
هذا تماما دون أقل شك. ويعود هذا إلى حسن إختيار نيازى مصطفى لزوايا التصوير
وإلى ضبطه للتقطيع بين اللقطات فى هذا المشهد الرئيسى فى الفيلم. لقد اكتسب
الخبرة اللازمة لهذا التنفيذ من خلال خبرته فى قسم المونتاج فى استديو مصر قبل
إنتقاله إلى الخارج. وأشيد أيضا بحسن توجيه نيازى مصطفى لكل الممثلين , وبخاصة راقية إبراهيم فى
دور جيهان هانم , فكانت حركاتها ولهجتها وأداؤها كله جديرا بالإعجاب. ولا ننسى
نجاح الفنان محمد كمال المصرى ( شرفنطح ) فى إثارة الضحك. لقد نجح نيازى مصطفى فى إثارة الضحك عن طريق الصورة , إلى جانب نجاح بديع
خيرى فى كتابة الحوار. |
" العزيمة " ( نوفمبر 1939 ) إخراج كمال
سليم : |
يعتبر فيلم " العزيمة " من أبرز الأفلام الروائية
الطويلة , ويعتبر البعض أنه نقطة تحول فى هذه المسيرة , حتى أدرجه الناقد الفرنسى
المعروف جورج سادول ضمن أحسن مائة فيلم فى تاريخ السينما العالمية. لقد قدم لنا
كمال سليم هذا الفيلم صورة حية نابضة لسكان أحد الأحياء الشعبية على إختلاف
مهنهم وعلاقاتهم بصورة لم تسبق من قبل من حيث الواقعية والإقناع ;
نرى أمامنا الحلاق والجزار وصاحب المخبز والحانوتى
والحداد والمأذون والإسكافى وبائع الفاكهة وخلافهم. وكمال سليم هنا ليس المخرج فقط , بل هو المؤلف وكاتب
السيناريو والمونتير أيضا , أى أن اصطلاح المخرج المؤلف ينطبق عليه بمعنى
الكلمة. |
نحن أمام بطل قصتنا محمد ( حسين صدقى ) ابن الحلاق والذى
أنهى دراسته الجامعية , وهذا أمر غير عادى يستجد على الحارة , وأمامه العتر
الجزار( عبد العزيز خليل ) الذى ينافسه على طلب يد فاطمة ( فاطمة رشدى ) إبنة صاحب
المخبز ( حسن كامل ). ويبحث محمد عن عمل يمكنه من سداد ديون محل والده ( عمر وصفى )
, ولكن يحقق حلمه فى الزواج بفاطمة. ويتفق محمد مع صديقه عدلى ( أنور وجدى ) ابن نزيه باشا
( زكى رستم ) على تكوين شركة تجارية يشارك فيها محمد بمجهوده ويشارك عدلى فيها
برأس المال. وتتطور الأحداث ... وأخيرا يفتتح محمد وعدلى مكتبا خاصا لتنفيذ
مشروعهما القديم... وتدور معركة بين أنصار محمد وأنصار العتر الجزار , ينتهى
بعودة فاطمة إلى محمد. وكأن المخرج كمال سليم قصد من وراء قصته هذه أن يوجه
شبابنا إلى بناء مجتمع جديد يتجهون فيه إلى العمل الحر والثقة بأنفسهم. |
ويا للإحساس بالحارة بكل تفاصيلها ! كيف تبدأ الحياة تدب فى
أنحاء الحارة مع بزوغ الفجر؟ وجو شهر رمضان ولياليه والمسحراتى...! وعندما
يختلى محمد بفاطمة على درجات السلم أو فوق السطوح ... لقد ساعد كمال سليم على
تحقيق هذا العمل توفيقه فى إختيار الممثلين للأدوار على إختلافها , وحوار بديع
خيرى , والعمل بروح الفريق مع مجموعة فنيى استديو مصر لكى يكتمل الفيلم بهذه
الدرجة من النجاح والتوفيق. ودور فاطمة رشدى هنا من أخلد أدوارها فى السينما. ويقول المخرج والناقد هاشم النحاس : " من الجدير بالذكر أن اكتشاف كمال سليم للحارة
وإمكانياتها فى التعبير عن المجتمع سبق اكتشاف أديبنا نجيب محفوظ لها " . |
|
هذه
المعلومات للمؤرخ السينمائى أحمد الحضرى |
|