| 1975 | 1959 | 1946
المبحث الثاني
 

تاريخ السينما العراقية

 1946 ـ 1959

كان لنجاح الافلام المصرية في العراق ووجود العديد من الشباب العراقيين في القاهرة الاثر الكبير في اول محاولة لأنتاج فيلم عراقي، فجاءت اولى المحاولات بالاتفاق مع مصر التي تراكمت لدى كوادرها السينمائية الخبرة والموهبة عندما شرع عادل عبد الوهاب الذي كان يدرس الطب في القاهرة بتكوين شركة سينمائية بأسم (افلام الرشيد) وانتج فيلم ( ابن الشرق)(2) الذي اخرجه ابراهيم حلمي وقامت ببطولته الممثلة الذائعة الصيت انذاك مديحة يسري واشترك معها المطرب الريفي حضيري ابو عزيز الذي غزا الاذاعة العراقية بأغانيه ,والمونولوجست اللاذع عزيز علي الذي عرفه العراقيون بأدائه لأغان ينتقد فيها الاوضاع البائسة أنذاك، وعرض الفيلم في بغداد لأول مرة في 20/11/1946 في سينما الملك غازي وحقق اقبالاً جماهيرياً هائلاً، ومن الطريف أن الفيلم صنع في مصر وعرض في بغداد قبل القاهرة التي تم العرض فيها بتاريخ 23/1/1947 في سينما لوكسي وكان لوجود النجمة مديحة يسري التي سبق أن رأها المتفرج العراقي في افلام عديدة، أثر بارز في نجاح الفيلم .كما كان تلهف الجمهور كبيراً لمعرفة كيف يظهر نجومه المحليون جنباً الى جنب مع نجوم السينما المصرية.

دفع نجاح فيلم ابن الشرق اسماعيل شريف صاحب سينما الحمراء في بغداد بالتعاون مع اتحاد الفنيين في القاهرة الذي يضم المخرج احمد بدرخان, والمصور عبد الحليم نصر, والماكيير انذاك حلمي رفله الى انتاج فيلم ( القاهرة بغداد) الذي قام ببطولته عميد المسرح العراقي حقي الشبلي أمام الفنانة مديحة يسرى وعرض الفيلم في بغداد لأول مرة في 10/3/1947 في سينما الحمراء(3) . وشارك في الفيلم مجموعة من الممثلين العراقيين، ومنهم ابراهيم جلال وعفيفة اسكندر وعبد الله العزاوي وسلمان جوهر وفخري الزبيدي، علماً أن تحضيرات الفيلم كانت قد بدأت خلال سنة 1946.

كان لنجاح هذين الفيلمين صداه عند عدد من المستثمرين الذي انشأوا أول استديو سينمائي في العراق هو ( استوديو بغداد) وكان باكورة اعمالهم فيلم (علية وعصام) المستوحى من قصة رميو وجولييت ولكن بأسلوب بدوي واشترك في التمثيل أبراهيم جلال وعزيمة توفيق وجعفر السعدي ويحيى فائق وفوزي محسن الامين وعبد الله العزاوي واخرجه المخرج الفرنسي اندريه شوتان، وصوره جاك لامار، وعرض الفيلم لأول مرة في 12/3/1949. في سينما روكسي، وحقق الفيلم نجاحاً هائلاً من خلال تدفق المئات من محبي السينما لمشاهدته نظراً لموضوعته الاثيرة وتناوله حياة البادية فضلا عن تقنيته المميزة (4).

ثم جاءت التجربة الثانية لاستوديو بغداد مخيبة للأمال حيث فشل فيلم ( ليلى في العراق) الذي قام ببطولته الفنان اللبناني محمد سلمان ونورهان ومن العراق عفيفة اسكندر وأبراهيم جلال، واخرجه المخرج المصري أحمد كامل مرسي وعرض في سينما روكسي بتاريخ 15/12/1949، ويعود سبب فشل الفيلم الى اعتماده على نجاح فيلم سابق للمطرب محمد سلمان بعنوان ( لبناني في الجامعة) سنة 1947، والذي أخرجه حسين فوزي وشاركت في البطولة المطربة صباح.

ولم تفلح الشركة التركية (5) التي انتجت فيلمين هما ( طاهرة وزهرة) و (ارزو وقمبر) من تلافي الانهيار الذي حدث بعد فيلم (ليلى في العراق)، ذلك ان شركة استديو بغداد توقفت عن العمل وانسحب المؤسسون نتيجة الخلافات الحادة بينهم، ويشير الناقد المؤرخ السينمائي مهدي عباس في لقاء شخصي أن شركة أستوديو بغداد لم تتوقف بسبب الخلافات وفشل فيلم( ليلى في العراق) فحسب, وانما ما أثير عن الشركة وهجوم الصحافة عليها بأعتبارها وكراً للصهيونية في العراق وأتهم بعض العاملين فيها بالتجسس لصالح الصهاينة والسعي الى تهجير اليهود العراقيين الى الكيان الصهيوني ولا شك أن مثل هذه الاتهامات لا تصمد بوجهها أية شركة خصوصاً وأن المد القومي أنذاك على اشده(6) .

وفي عام 1953 أسس عدد من الهواة شركة سينمائية بأسم ( دنيا الفن) للأنتاج السينمائي وبوشر بأنتاج فيلم عراقي صميم بعنوان ( فتنة وحسن)(7)وكما اسلفنا فأن هذا الفيلم لم يعتمد على الخبرات العربية او الاجنبية كما حصل في الافلام العراقية الاربعة الاولى، أنتج الفيلم الفنان ياس علي الناصر وصلاح الدين البدري الذين كونا شركة( دنيا الفن) وكتب السيناريو واخرجه حيدر العمر الذي قدم فيلمه ( ارحموني) 1958, شارك في التمثيل مديحة رشدي وسلمى عبد الاحد وغازي التكريتي، وقام بتصويره المصور العراقي وليم سايمون، بدأ تصوير الفيلم عام 1953 وعرض في 22/6/1955 وأستمر عرضه لمدة اسبوعين ثم انتقل الفيلم الى كافة محافظات العراق التي فيها صالات عرض سينمائي وكان من بين أهم اسباب نجاح الفيلم هو القصة العاطفية في الاجواء الريفية التي تعبر عن واقع المجتمع العراقي وبيئته التي يحبها ويتعاطف معها.

أدى هذا النجاح الى تشجيع هواة السينما واصحاب رؤوس الاموال على تأسيس شركات سينمائية والشروع بأنتاج الافلام وكان اول هذه الافلام فيلم ( وردة) أخراج وسيناريو يحيى فائق وهو فيلم عن قصة يوميات نائب في الارياف لتوفيق الحكيم.

وفيلم( ندم) الذي بدأ التصوير به عام 1955 وعرض في عام 1956 وهو من انتاج شركة سامراء وبطولة عبد حسين السامرائي وعزيمة توفيق وقصة وسيناريو واخراج عبد الخالق السامرائي، وفيلم ( من المسؤول) الذي بدأ التصوير به عام 1956 وعرض لأول مرة في ايلول 1957 وهو من انتاج شركة سومر للسينما كتب السيناريو له واخرجه المخرج عبد الجبار ولي توفيق عن قصة الكاتب العراقي أدمون صبري وحوار صفاء مصطفى وصوره المصور الهندي دفيجا ومثله كاظم المبارك وناهدة الرماح وسامي عبد الحميد وخليل شوقي وفخري الزبيدي وأخرين، ويعد هذا الفيلم واحداً من اهم الافلام العراقية  ونقطة مضيئة في تاريخها(8 ) لأنه اول فيلم تناول الواقع العراقي، بأسلوب واقعي، وتعرض الواقع الاجتماعي المنهار والمشاكل التي يرزح تحتها الانسان المسحوق في الخمسينات.

وتتلخص قصة الفيلم بمراقب بلدية ( جودي) أنسان من عامة الناس، ودود ومحب للأخرين يتعرض لقصة حب لفتاة تدعى ( معصومة) يتعرف عليها عندما يرى جارتها تتشاجر معها، وينمو الحب بينهما وبعد ان يخطبها وأثناء ليلة العرض وقبل دخوله عليها تخبره معصومة بأنها ليست عذراء وتحاول ان تروي له قصتها عندما تعرضت لفض العذرية عندما كانت طفلة من قبل شاب طائش، وبرغم الصدمة التي يتعرض لها البطل الا انه يتجاوز هذه المعضلة ويتزوجها، لكن معصومة تصاب بمرض خطير تموت على اثره.ويعرف ( جودي) في اثناء ذلك أن الشاب الطائش الذي اغتصبها عندما كانت طفلة هو نفسه الذي كان يعالجها، مما يولد لديه صراعاً ينتهي به الى قتله.

 لقد استطاع المخرج في هذا الفيلم ان يعرض أجواء بغداد في الخمسينات، من خلال سيناريو محكم وآداء تمثيلي متميز قدمه البطل كاظم مبارك في دور  (جودي) وكان هذا الفيلم هو اول دور له في السينما، ويعد فيلم (من المسؤول) الفيلم الاول للمخرج عبد الجبار توفيق ولي والذي اخرج فيلمه الثاني والاخير (أنعيمة) وهو فيلم كوميدي يقدم على خلفية من المناظر الريفية وتم عرض الفيلم الثاني في 28/5/1962 في سينما الخيام.

وفي عام 1958 بدأ تصوير فيلم ( ارحموني) وهو من انتاج شركة الحداد والشيخلي وسيناريو واخراج حيدر العمر وتمثيل المطربة المعروفة هيفاء حسين والمطرب والملحن رضا علي، مع بدري حسون فريد وكمل القيسي وعبد المنعم الدروبي، عرض هذا الفيلم لأول مرة في آذار عام 1958 ولاقا أقبالاً جماهيراً هائلاً نظراً لميلودراميته وموضوعيته التي تعاطف معها الجمهور، وتدور احداث الفيلم حول فتاة فقيرة اسمها سعدية ( هيفاء حسين) يغرر بها شاب مستهتر  (بدري حسون فريد) فتهرب من الفضيحة بعد ان تذهب كل محاولاتها لأقناعه بالزواج منها ادراج الرياح فتهرب الى مدينة اخرى فيتعرف عليها ملحن شاب يكتشف فيها موهبة غنائية فيقدمها في بطولة أوبريت غنائي ثم يتزوجها لينتهي الفيلم نهاية يتصالح فيها اهلها معها عند سماع أية قرآنية من الراديو، وقد استمر العرض لسنوات وقدمه التلفزيون كواحد من الافلام الجيدة خلال الستينات علماً أن القصة مقتبسة عن مسرحية ( المساكين) للكاتب العراقي سليم بطي، وتصوير المصور العراقي وليم سايمون  ومونتاج محمد شكري جميل(9) ..

وقد سبق عرض هذا, فيلم ( سعيد أفندي) الذي يعد والى الان علامة بارزة أخرى في السينما العراقية الذي أخرجه كاميران حسني ومثله يوسف العاني وزينب وجعفر السعدي وعرض  1957 وهو من انتاج شركة اتحاد الفنانين لصاحبيها كاميران حسني وعبد الكريم هادي والمقتبس عن قصة شجار للكاتب العراقي  ادمون صبري وسيناريو وحوار يوسف العاني، وقدم الفيلم أحوال الحواري البغدادية والعلاقات الاجتماعية والازياء  وألعاب الاطفال خلفية لدراما الفيلم الذي يتحدث عن خلاف ينشأ بين جارين بسبب مشكلة بسيطة تتطور ولكن في نهاية المطاف تسود روح التسامح والمحبة لأبناء الحي، قدم يوسف العاني في هذا الفيلم واحداً من اروع ادواره الذي نحى منحاً واقعياً، كما ان المخرج نفسه قدم الواقع العراقي والبيئة العراقية بمستوى فني جيد، ولا يفهم لماذا لم يعرض الفيلم في خميس الفيلم العراقي الذي كانت تقيمه دائرة السينما والمسرح ضمن منهاجها الاسبوعي عام 1991 علماً أن الفيلم عرض مرات عديدة على شاشة التلفزيون.

ومع بداية عام 1958 بدأ تصوير فيلم ( ادبته الحياة) من اخراج مهند الانصاري وانتاج شركة مهند الصراف وتمثيل مهند الانصاري ومديحة شوقي وصور الفيلم ثلاثة مصورين هم احمد القباني والياس جموعة وعبد الخالق السامرائي، والاخير مهندس صوت وسبق ان اخرج فيلم للفنان مهند الانصاري ولم يعاود الاخراج السينمائي في العراق واكتفى بالاذاعة واخرج فيلمين في القاهرة هما( القمة الباردة) و(القضية رقم 1 )ويعتبر فيلم (ادبته الحياة) اقصر فيلم روائي عراقي، اذ بلغت مدته ( 35) دقيقة فقط.

وفي عام 1958 وهو عام عرض فيلم (عروس الفرات)( 10) ، من انتاج شركة افلام النسر قصة وسيناريو وحوار واخراج عبد الهادي مبارك وتصوير المصور العراقي وليم سايمون، ويتحدث الفيلم عن فتاة تهرب من عائلتها من اجل ان تتعلم ولم يخرج المخرج بعدها فيلماً إلا بعد اكثر من ثلاثين عاماً من خلال فيلم  (بديعة 1989) ثم فيلم ( الحب كان السبب) 1991 المأخوذ عن قصة لعلي خيون بعنوان ( العزف في مكان صاخب).

وعرض فيلم ( الدكتور حسن) في عام 1958 وهو من اخراج محمد منير آل ياسين وهو من انتاج أفلام ( دنيا الفن) ومثله ياس علي الناصر وخلود وهبي، وللمخرج فيلم اخر بعنوان ( انا العراق) المعروض عام 1961.. وفي عام 1958 أيضاً أخرج حسين السامرائي وكتب قصة وسيناريو فيلم( تسواهن )والذي انتجته شركة سمير اميس ومثل فيه حسين السامرائي ورمزية حميد.

وفي عام 1959 قدم برهان الدين جاسم فيلمه(ارادة شعب )تمثيل ابراهيم العزاوي وازهار أحمد، وأنتج الفيلم عبد الرزاق الاسدي، ويعد الفنان برهان الدين جاسم ( من انشط المخرجين وأكثرهم رداءة في مستواه الفني) . حيث قدم بعد فيلمه الاول فيلم ( اسعد الايام) 1962 الذي لم يعرض جماهيرياً ,و(درب الحب )عام 1966 وهو من تمثيل فاروق هلال, ثم قدم فيلم( ليالي بغداد) في عام 1975  وجميع أفلامه لا يمكن ان تعد في تاريخ السينما العراقية.

 كانت كل المحاولات التي قدمت طوال هذه الفترة هي محاولات أرتجالية غير قائمة على فهم علاقة الانتاج بالسوق والمنافسة ,فضلاً عن كونها أنتجت بلا اي دعم من اي جهة حكومية.

هوامش المبحث الثاني :

2-  يذكر الباحث فلاح قاسم، في رسالته اشكاليات تنظيم الانتاج السينمائي في العراق ان فيلم ابن الشرق هو من اخراج نيازي مصطفى وهذا خطأ، إذ يثبت المؤرخ السينمائي العراقي مهدي عباس، أن المخرج هو ابراهيم حلمي  في موضوعه المنشور فى مجلة الفن السابع العدد (35) أكتوبر.2000 والذي جاء تحت عنوان ( الحصار أوقف عجلة السينما العراقية عن رقم 99).
3 ـ عباس، مهدي، الحصار اوقف عجلة السينما عند الرقم 99، مجلة اليوم السابع العدد 35 ، تشرين الثاني، 2000، ص

4- إنظر: قاسم، فلاح: اشكاليات تنظيم الانتاج السينمائي في العراق، رسالة ماجستير مقدمة الى مجلس كلية الفنون الجميلة، 1989،ص40.

5- قاسم، فلاح، مصدر سابق ص41

 6ـ لقاء شخصي بالناقد مهدي عباس الذي يعمل محرراً سينمائياً في جريدة الجمهورية، وتم اللقاء بتاريخ 7/1/2003.
 7- عباس، مهدي، فتنة وحسن، زاوية سينما سينما، جريدة الجمهورية، العدد 8073 في 26/12/1991
.8 ـ عباس، مهدي، من المسؤول، زاوية سينما سينما، جريدة الجمهورية، العدد 8109 في 23/3/1992.

9 ـ جاء في قاسم ، فلاح، مصدر سابق ، ص42 . (نلاحظ ان الباحث قد كتب خطأ أن الفيلم من انتاج محمد شكري ويبدو انه يقصد مونتاج محمد شكري خصوصاً أن محمد شكري جميل كان يعمل مونتيراً في ذلك الوقت في وحدة السينما لأحدى شركات النفط أنذاك).

10 ـ ذكر الباحث فلاح قاسم في رسالته أشكالية تنظيم الانتاج.. في ص 42 ان الفيلم من انتاج عام 1961 والصحيح ان الفيلم عرض في عام 1958 كما يذكر المؤرخ والناقد مهدي عباس في جريدة الجمهورية العدد 8888 في 20/12/1994.


 محتوي صفحات الموقع ملكية فكرية ومن يقوم بالإقتباس والنشر بدون ذكر المصدر سوف يتعرض للمسأله القانونية

Copyright © 2001-2011 arabfilmtvschool.edu.eg,
All Rights Reserved
Dr. Mona El Sabban

 
مصر
سوريا
العراق
الكويت
تونس
الجزائر
المغرب